الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

حوكمة الشركات: أداة لرفع مستوى الإفصاح ومكافحة الفساد وأثرها على كفاءة السوق المالي

حوكمة الشركات: أداة لرفع مستوى الإفصاح ومكافحة الفساد وأثرها على كفاءة السوق المالي


ملخص:
إن ما يشهده العالم اليوم من تحرير لاقتصاديات السوق وما يتبعها من تغيرات في أسواق المال، وما يترتب عليها من نتائج اقتصادية لها تأثير بالغ على الاقتصاديات الوطنية، قد أدى إلى زيادة حدة المنافسة، وفي أحيان أخرى أدى إلى حدوث انهيارات مالية، نتيجة قيام العديد من الشركات بممارسات إدارية ومالية خاطئة، والتي تمثل نوعا من التصرفات المهنية غير الأخلاقية من قبل الإدارة بصفتها وكيلا عن المساهمين، وذلك سعيا وراء تحقيق مصالح شخصية على حسابهم.وفي أعقاب الأزمات الاقتصادية والمالية التي شهدها العديد من دول العالم، والتي كان من أبرز أسبابها نقص الإفصاح وانعدام الشفافية وغياب المساءلة في الشركات، إضافة إلى استخدام أدوات مختلفة للتلاعب في السياسات المحاسبية قصد التأثير على البيانات المحاسبية، مما دعا إلى ضرورة الاستعانة بآليات حديثة للإدارة والرقابة، تساهم في تحسين جودة المعلومات المحاسبية المنشورة بما يرفع من مستوى الإفصاح، ليكون بذلك الأثر إيجابيا على مستوى أداء الشركات وعلى مستوى كفاء السوق المالي، ألا وهي حوكمة الشركات.

تمهيد:

شهد عالم المال والأعمال في الآونة الأخيرة جملة من التحولات والتغيرات الناجمة في معظمها عن عديد الأزمات المالية والاقتصادية، والتي هزت العديد من الاقتصاديات، لتبرز حوكمة الشركات كأحد المواضيع الملحة على جدول أعمال الشركات والمنظمات الدولية، إذ أن هناك الكثير من الأحداث السلبية التي استحوذت على اهتمامات مجتمع الأعمال الدولي وكذا المؤسسات المالية الدولية.ولا ريب إن قلنا أن أسباب هذه الاضطرابات تعود في معظمها إلى الفساد المالي والإداري، علما أن الفساد المالي يرجع في أحد جوانبه إلى دور مراجعي الحسابات وتأكيدهم على مدى صحة القوائم المالية وما تتضمنه من معلومات محاسبية، هذه الأخيرة التي تشكل النواة الأولى التي تبنى عليها قرارات الشركة، حيث أنها تعبر عن القيمة الاقتصادية لثروتها في لحظة معينة.ولما تزايد الاعتماد على المعلومات المحاسبية المستمدة من القوائم المالية، وذلك نتيجة التغيرات الحاصلة في البيئة الاقتصادية والمتمثلة في اتجاه الدولة نحو خوصصة العديد من الأنشطة الاقتصادية، فإن تحليل تلك المعلومات من شأنه أن يعطي رؤية أوضح لمتخذي القرار. إلا أن المرونة الممنوحة إلى إدارة الشركة للاختيار بين بدائل السياسات المحاسبية قد يشكل نوعا من التلاعب واغتنام الفرص لتحقيق أرباح غير عادية، مما قد يؤثر على مصداقية المعلومات ومحتواها الإخباري.من هنا تتجلى أهمية الإفصاح في الحفاظ على عدالة الفرصة ومصداقية المعلومات الواردة إلى السوق، مما يعزز الثقة في هذه المعلومات ويسهم في تنشيط السوق وتحقيق كفاءته. وبهذا تظهر العلاقة بين إتاحة المعلومات وتطبيق مبادئ وإجراءات الحوكمة في سبيل الحد من أعمال الغش والتلاعب ومن ثم رفع كفاءة السوق، وذلك من خلال الاعتماد من جهة على هذه المعلومات في ممارسة الرقابة على مختلف جوانب أداء الشركة، ومن جهة أخرى إعادة الثقة لدى المتعاملين في أسواق المال، مما  يساهم في تحسين المناخ الاستثماري على المستوى المحلي أو الدولي.

مشكلة البحث:

وجهت الانهيارات المالية الكثيرة أنظار الباحثين لدراسة أسبابها ومحاولة إيجاد صيغة ملائمة تحول دون وقوع مثل هذه الانهيارات. فقد أثارت أزمة الثقة بين الإدارات العليا للشركات وملاكها الناتجة عن الفضائح المالية للشركات العالمية، أهمية إيجاد معايير مثلى لأفضل الممارسات والإجراءات في إدارة وتنظيم ومراقبة الشركات والإشراف الفعال عليها. إلا أن تجاهل الكثير من الشركات لأهمية وجود هذه المعايير التي تحفز الحقوق وتساهم في خلق المجتمع المنظم والمتماسك بكل أركانه، وكذلك عدم إلزام هذه الشركات بتطبيق هذه المعايير من قبل الجهات المنظمة، قد يؤدي إلى إخفاء الكثير من المعلومات المالية، التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على أوضاع الشركة وأسهمها في البورصة. وبهذا تظهر العلاقة بين الإفصاح عن المعلومات وتطبيق مبادئ الحوكمة في سبيل الحد من أعمال الغش والتلاعب ومن ثم رفع كفاءة السوق المالي. لذا فإنه وفي ضوء حتمية تشخيص هذه العلاقة،فإن البحث الحالي سيحاول الإجابة عن  التساؤل الآتي:
-        ما مدى مساهمة تطبيق مبادئ الحوكمة في تحسين مستوى الإفصاح وتوفير الثقة اللازمة للتعامل في أسواق المال والحد من ممارسات التلاعب؟
أهمية البحث وأهدافه:
تنبع أهمية البحث من أهمية الموضوع نفسه، بوصفه أحد الموضوعات الحديثة في الأدب المالي المعاصر، ومن أهمية الدور الذي تضطلع به حوكمة الشركات باعتبارها تساهم في العديد من الجوانب الاقتصادية، فهي تعمل على توفير عناصر الإدارة السليمة للشركات وتفعيل تطبيق الأدوات الرقابية والإشرافية فيها، بهدف توفير الشفافية في المعلومات ورفع كفاءة الممارسات وإضافة المصداقية والثقة للمعاملات، بشكل يرفع أداء الشركات، ويساعد على زيادة ثقة المساهمين وحماية استثماراتهم من التعرض للخسارة بسبب سوء استخدام السلطة في مجلس الإدارة.   
وتتجسد أهداف البحث في تقصي ما يمكن إيجازه في العناصر التالية:
-         إبراز أهمية حوكمة الشركات ودورها في تحسين مستوى الإفصاح وتعزيز ثقة المساهمين في أسواق المال.
-         بيان مدى تأثير الممارسات غير الأخلاقية على كفاءة السوق المالي.
-         بيان مدى تأثير حوكمة الشركة في الحد من مظاهر الفساد.
-         إظهار علاقة كفاءة السوق بالمعلومات المحاسبية المنشورة وتأثيرها على أسعار الأسهم.
-         توضيح مستوى كفاءة بورصة الجزائر والوقوف على مدى مسايرة الجزائر للمستجدات العالمية.

فرضيات البحث:

في ضوء الأهداف المحددة للبحث وضعت الفرضيات التالية:
1.      الإفصاح الجيد يزيد في استقرار أسواق المال ويرفع من كفاءتها.
2.      التطبيق الجيد لمبادئ الحوكمة يؤدي إلى تحقيق الشفافية والإفصاح في الأسواق المالية.
3.      هناك ارتباط وثيق بين حوكمة الشركات وكفاءة أسواق المال.
4.      انتشار الفساد المالي والإداري في الجزائر راجع إلى غياب حوكمة الشركات.

منهجية البحث:

تستخدم هذه الدراسة المنهج الوصفي التحليلي، وتستمد معلوماتها من مصدرين متكاملين هما:
أ‌.        مصادر ثانوية (Secondary Sources): وتتمثل في مختلف المراجع والمقتنيات المكتبية، بما في ذلك الكتب والدوريات والمواقع الملائمة على شبكة الانترنت.
ب‌.     مصادر أولية (Primary Sources): وتتمثل في جميع البيانات من واقع النشريات والدراسات الصادرة عن الندوات والملتقيات والمؤتمرات العلمية.
ونظرا لأهمية البحث وأثره على الجزائر، فقد ارتأينا تقسيم الدراسة إلى ثلاث محاور  رئيسية:
حيث شمل المحور الأول: التأصيل النظري لحوكمة الشركات من حيث المفهوم، الأهمية، المبادئ.......
في حين استعرضنا في المحور الثاني: كفاءة السوق المالي،بدءا بتعريفها وصولا إلى أثر حوكمة الشركات على كفاءتها مرورا بمتطلباتها.....

المحور الأول: الإطار النظري لحوكمة الشركات

ارتبط مصطلح حوكمة الشركات بالعولمة والأزمات المالية، هذه الأخيرة أوجدتها ظروف غير مستقرة واضطرابات وفوضى وتذبذبات اجتاحت العديد من أسواق المال العالمية، وألقت عليها بظلال من الشكوك وألوان من القلق وعدم الثقة، لتطرح معها المزيد من التساؤلات الحائرة حول مدى مصداقية المعلومات المفصح عنها من قبل الشركات المدرجة فيها، ومدى إمكانية الاعتماد عليها في اتخاذ القرارات.
من هنا برزت جهود كل من صندوق النقد والبنك الدوليين، لتبني اتجاه جديد لتحقيق الإصلاحات الهيكلية، اعتمادا على مجموعة من الإجراءات لتقييم برامج الإصلاح الاقتصادي، ليلوح في الأفق مصطلح الحوكمة كمدخل للرقابة، يضمن تحقيق الإفصاح والشفافية والمساءلة، بما يضمن حماية رؤوس الأموال في الشركات والأسواق.
1.1.           ماهية حوكمة الشركات وأهميتها

1.1.1. تعريف حوكمة الشركات

حظي مصطلح حوكمة الشركات باهتمام العديد من الأكاديميين والباحثين والمحللين والممارسين، وذلك في إطار حل مشكلة الوكالة التي تنشأ بين الإدارة والملاك.
 وقد كان من الصعوبة بمكان التوصل إلى تعريف موحد لهذا المصطلح، غير أن زيادة ترابط الأسواق المالية واستحداث أدوات مالية جديدة بصفة مستمرة، جعلت مجال حوكمة الشركات يتسع مع مرور الوقت، لذا ارتأينا أن نعرض بعض التعاريف الواردة في هذا الشأن.
فقد عرفت مؤسسة التمويل الدولية "IFC" حوكمة الشركات بأنها: "النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركات والتحكم في أعمالها".(1)كما عرفها حماد عبد العال بأنها "النظام الذي بتم من خلاله توجيه أعمال المنظمة ومراقبتها على أعلى مستوى من أجل تحقيق أهدافها والوفاء بالمعايير اللازمة للمسؤولية والنزاهة والصراحة".(2)
يقودنا التعريفان السابقان إلى استنتاج مفاده أن حوكمة الشركات هي نظام للتوجيه والتحكم والرقابة على نشاط الشركات.وفي السياق ذاته جاء تعريف عبد الوهاب علي وشحاته السيد، ليظهر أهم مبادئ هذا النظام والأهداف التي يصبو إلى تحقيقها، إذ يعرفان حوكمة الشركات بأنها: "مجموعة الآليات والإجراءات والقوانين والنظم والقرارات التي تضمن كلا من الانضباط "Discipline" والشفافية " Transparency" والعدالة "Fairness"، وبالتالي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء عن طريق تفعيل تصرفات الإدارة فيما يتعلق باستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة لديها، بما يحقق أفضل منافع ممكنة لكافة الأطراف ذوي المصلحة والمجتمع ككل".(3) استنادا إلى هذا التعريف، يمكن القول بأن حوكمة الشركات هي أداة تمكن إدارة الشركة من تحقيق أهدافها على المدى البعيد بطريقة تحمي حقوق ذوي المصالح.
 وبصورة بسيطة، حوكمة الشركات هي تعميق دور الرقابة ومتابعة الأداء في الشركات.(4)
وبناءا على ما تقدم، فإن التعريفات السابقة تتضمن العديد من الجوانب أهمها:
ü     تعنى الحوكمة بوضع القوانين والمعايير التي تتضمن التحكم والسيطرة على الأمور.
ü     تعنى الحوكمة بمجموعة العلاقات بين مجلس الإدارة والملاك والمساهمين وأصحاب المصالح.
ü     تسعى الحوكمة إلى الحفاظ على حقوق المساهمين ورعاية مصالحهم بشكل عادل.
2.1.1.     أهمية حوكمة الشركات
تكمن أهمية حوكمة الشركات في كونها عملية ضرورية لضمان تحقيق أهداف الشركات، لاسيما ما يتعلق بتفعيل دور الجمعيات العامة للمساهمين للاضطلاع بمسؤولياتهم، وحماية دورهم الرقابي على أداء مجلس الإدارة والمديريين التنفيذيين في هذه الشركات، بما يكفل حماية حقوق أصحاب المصالح.
  وتستمد الحوكمة أهميتها من اختصاصاتها بالجوانب التالية:(5)
-         تحقيق الحياد والاستقلال لكافة العاملين في الشركات في مختلف المستويات التنظيمية.
-         تقليل الأخطاء إلى أدنى قدر ممكن، والاعتماد على الضوابط الوقائية التي تمنع حدوث الأخطاء، ومن ثم تفادي تكاليف حدوثها.
-         ضمان الاستفادة من نظم الرقابة الداخلية.
-         التأكد من استقلالية وموضوعية وحيادية المراجعين الخارجيين، وضمان عدم تأثرهم بأي ضغوط من جانب مجلس إدارة الشركة، أو أي أطراف داخلية أخرى.
-         
2.1. مبادئ حوكمة الشركات وقواعدها

1.2.1. مبادئ حوكمة الشركات

تعد حوكمة الشركات بمثابة مجموعة من القواعد والمبادئ التي تحكم وتوجه وتسيطر على الإدارة، بما يعود بالفائدة على جميع الأطراف. وتستند تلك المبادئ إلى تجارب الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي "OCED"، حيث قامت المنظمة بإنشاء فريق عمل متخصص لوضع تلك المبادئ، كما تمت الاستفادة من إسهامات عدد من الدول غير الأعضاء وكذا إسهامات البنك الدولي.
وعموما تتمثل المبادئ الدولية لحوكمة الشركات حسب "OCED" لعام 2004 النواحي التالية:(6)
أولا: ضمان وجود أساس لإطار فعال لحوكمة الشركات: حيث تعمل الحوكمة على ضمان شفافية وكفاءة الأسواق المالية بما يتوافق مع حكم القانون، مع تحديد وتوزيع واضح للمسؤوليات بين مختلف الجهات الإشرافية والتنظيمية والتنفيذية.
ثانيا: حقوق المساهمين: يتعين أن يكفل إطار أساليب ممارسة حوكمة الشركات حماية المساهمين، حيث أن لهم حقوق ملكية معينة، وهي: الحق في تأمين طرق تسجيل الملكية، الحق في انتخاب أعضاء مجلس الإدارة، الحق في الحصول على نصيب من الأرباح، حق المشاركة في التصويت في الجمعيات العامة للمساهمين، الحق في نقل أو تحويل ملكية الأسهم، الحق في الحصول على مختلف المعلومات الضرورية المتعلقة بنشاط الشركة في الوقت المناسب وبصفة منتظمة.
ثالثا: المعاملة المتكافئة للمساهمين: تضمن الحوكمة تحقيق المساواة في معاملة كافة المساهمين، بما فيهم الأقلية والمساهمين الأجانب، حيث يجب أن يحصل الجميع على الحقوق نفسها، كما ينبغي أن تتوفر للجميع القدرة على الحصول على المعلومات.
رابعا: دور أصحاب المصالح في حوكمة الشركات: يجب أن ينطوي إطار حوكمة الشركات على اعتراف بحقوق أصحاب المصالح التي تم إقرارها وفقا للقانون، وأن يعمل أيضا على تشجيع التعاون بينهم وبين الشركة، وتمكينهم من الاطلاع على المعلومات المطلوبة.
خامسا: الإفصاح والشفافية: تضمن حوكمة الشركات تحقيق الإفصاح الدقيق وفي الوقت الملائم بشأن كافة المسائل الخاصة بتأسيس الشركة، وهذا بتوفير معلومات عن: النتائج المالية والتشغيلية للشركة، أهداف الشركة، أعضاء مجلس الإدارة، الرواتب والمزايا الممنوحة لكبار المسؤولين، و هياكل وسياسات حوكمة الشركات.
وجدير بالذكر أنه يجب إعداد ومراجعة المعلومات وكذا الإفصاح عنها بأسلوب يتفق ومعايير الجودة المحاسبية والمالية، وأيضا بمتطلبات عمليات المراجعة، بهدف إتاحة التدقيق الموضوعي للأسلوب المستخدم في إعداد القوائم المالية وصياغة التقارير المالية.
سادسا: مسؤوليات مجلس الإدارة: يجب أن يتيح أسلوب ممارسة حوكمة الشركات الإرشادية الإستراتيجية لتوجيه الشركات، كما يجب أن يكفل المتابعة للإدارة التنفيذية من قبل مجلس الإدارة، وأن يضمن مساءلة مجلس الإدارة من قبل المساهمين.
لا ريب أن هذه المبادئ هي بمثابة نقاط مرجعية تضم عددا من العناصر المشتركة في ضوء حدوث تغيرات كبيرة في الظروف والتي تعد أساسا لحوكمة الشركات.

2.2.1. قواعد حوكمة الشركات:

يرتبط مفهوم حوكمة الشركات بشكل أساسي بسلوك الفئات المختلفة ذات الصلة بالشركات، لذا فهناك مجموعة من الخصائص، التي يجب أن تتوافر في هذه السلوكيات حتى يتحقق الغرض من وراء تطبيق هذا المفهوم. فهذه الخصائص تشكل الدعائم الأساسية لحوكمة الشركات، نذكر أهمها فيما يلي:(7)
v            الشفافية (Transparency): أي تقديم صورة واضحة وحقيقية عن كل مايحدث، بما يضمن تحقيق الثقة والنزاهة والموضوعية في إجراءات إدارة الشركة، كما تضمن الإفصاح السليم وفي الوقت المناسب عن الموضوعات المهمة. وتؤمن هذه الخاصية توصيل معلومات محاسبية وإفصاحا ماليا وغير مالي، وأن تكون المعلومات صحيحة وواضحة وكاملة إلى كل الأطراف ذات المصلحة.
v            المسؤولية (Responsibility): ويقصد بها توفير هيكل تنظيمي واضح يحدد نقاط السلطة والمسؤولية، ومحاسبة المسؤولين ومتخذي القرارات عن مسؤوليتهم تجاه الشركة والمساهمين.
v            المساءلة (Accountability): وهي قاعدة تقضي بمحاسبة متخذي القرارات في الشركة أو الذين ينفذون الأعمال، عن نتائج قراراتهم وأعمالهم تجاه الشركة والمساهمين، وإيجاد آلية لتحقيقها.(8)
v            الوضوح (Clarity): ويقصد به أن تتسم القوائم والتقارير المالية بالوضوح والشفافية والعدالة عن إعدادها، ولتحقيق ذلك على الإدارة وعن طريق لجنة التدقيق أن تتحرى الفهم العام للقوائم المالية.
v            الاستقلالية (Independence): وهي الآلية التي تقلل أو تلغي تضارب المصالح، حيث تبدأ هذه الآلية من تشكيل المجالس وتعيين اللجان إلى تعيين مراجع خارجي مستقل وكفء ومؤهل، يقوم بممارسة عمله بما تقتضيه العناية والأصول المهنية، ليقدم تأكيده أو مصادقته بأن القوائم المالية تمثل بصدق حقيقة المركز المالي وأداء الشركة.
v            العدالة (la justice): بمعنى ضمان معاملة متساوية للمساهمين كافة.

3.1. ركائز حوكمة الشركات

لقد أصاب العالم الفزع من حالات الانهيارات المالية والأزمات الاقتصادية التي شهدتها العديد من الدول في أسواق المال والشركات والبنوك، والتي كان أحد أهم أسبابها عدم الإفصاح الكامل وانعدام الشفافية فيما يتعلق بالمعلومات المحاسبية والمالية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تواطؤ بعض المسؤولين في الشركات مع أطراف ذات مصلحة واستغلال مناصبهم لتحقيق مآربهم. ومن الطبيعي أن يستتبع ذلك شيوع الإهمال والتفريط بشكل أو بآخر من إدارة شؤون هذه الشركات في مراجعة الحسابات والفساد المحاسبي بتواطؤ مكاتب المحاسبة مع الإدارة التنفيذية لإخفاء انحرافاتها واختلاساتها بالتلاعب في الحسابات.(9)
من هذا المنطلق أخذ موضوع حوكمة الشركات يتبوأ قمة اهتمامات العالم، باعتبارها أداة لمكافحة مظاهر الفساد ومختلف الممارسات غير الأخلاقية، ترتكز على المحاور التالية:
أ. أخلاقيات الأعمال: لا ريب أن تعزيز قواعد الحوكمة الرشيدة بالقيم والسلوكيات التابعة من مرجعية أصيلة وأخلاقية، هو البلسم الشافي من الممارسات اللاأخلاقية. إذ أن وضع أسس قوية لحوكمة الشركات هو أحد الطرق لمجابهة هذه المعضلة، ومعضلات أخرى، وهو أمر آخذ في الازدياد، ليس فقط كأداة لزيادة الكفاءة وتحسين فرص إتاحة رأس المال وتأمين الحفاظ عليه، بل أيضا كأداة فعالة لمكافحة الفساد. وباختصار فإن تحالف كل من الحوكمة الرشيدة للشركات والقيم والمبادئ الأخلاقية، يساعد الشركات على اجتياز حقول ألغام الفساد بها.(10)
وتنص اتفاقية بازل، فيما يتعلق بأخلاقيات الأعمال، ضمن النسختين المعدلتين سنتي 2005 و2006، على ثلاث أمور هي:(11)
·        ضرورة وجود توافق بين سياسات الأجور والقيم الأخلاقية للمؤسسة المصرفية وكذلك مع استراتيحية هذه المؤسسة.
·        تحذر الاتفاقية المسيرين من القيام بعمليات المضاربة في الأسواق المالية بغية الحصول على عوائد مالية في المدى القصير، دون مراعاة عنصر المخاطرة الذي يشوب مثل هذه العمليات.
·        تفرض الاتفاقية على مجالس إدارة البنوك الموافقة على أجور المسيرين إلا إذا كانت متوافقة مع الأهداف الإستراتيجية للبنك، وعليه تطالب الاتفاقية بعدم خروج سياسة الأجور عن السياسة العامة للمؤسسة حتى يمكن تفادي المبالغة في اتخاذ المخاطر.
ب. الرقابة والمساءلة: تعمل آليات حوكمة الشركات بصفة أساسية على حماية وضمان حقوق المساهمين وكافة الأطراف ذات المصلحة المرتبطة بأعمال الشركة، وذلك من خلال إحكام الرقابة والسيطرة على أدائها من قبل:(12)
·        أطراف رقابية عامة مثل: البنك المركزي، الهيئة العامة لسوق المال.
·        أطراف رقابية مباشرة مثل: المساهمين، مجلس الإدارة.
·        أطراف خارجية مثل: الموردين، العملاء، المقرضين.
·        لجنة المراجعة الداخلية: تهتم بالتقييم الحيادي للعمليات ونظام الرقابة الداخلية ومدى التزام إدارة الشركة بتطبيق المعايير المحاسبية المتفق عليها في اتخاذ القرارات من قبل مستخدميها.(13)
ج. إدارة المخاطر: تعتبر حوكمة الشركات عملية إدارة المخاطر من بين الركائز الأساسية التي تعتمد عليها، ذلك أنها تمثل تلك العملية الديناميكية التي يتم فيها اتخاذ كافة الخطوات المناسبة للتعرف على المخاطر المؤثرة على أهداف الشركة والتعامل معها.(14)

4.1. مستوى الإفصاح وعلاقته بحوكمة الشركات

تحتاج الشركات في سياق عملها الاعتيادي إلى معلومات دقيقة وسليمة من أجل ضمان استمراريتها، وتعود الجذور التاريخية لمفهوم الإفصاح عن المعلومات المالية للعام 1837، حيث نشرت مجلة "Magazine Railway" مقالة عن الإفصاح، أشارت فيها إلى أثر الإبلاغ عن أرباح الشركات على سلوك المستثمرين، حيث ساد في الربع الأخير من القرن التاسع عشر اتجاه يحث على زيادة في الإفصاحات المحاسبية، من حيث تقديمها معلومات عن الأرباح ورأس المال والاستهلاكات وتغيير الموجودات، ودعم التشريعات التي تزيد من الإفصاح في القوائم المالية والحد من البدائل في المعالجات المحاسبية.(15)

1.4.1. تعريف الإفصاح

تعددت التعاريف التي تناولت الإفصاح، حيث أشارت بعضها إلى أن الإفصاح هو: "اتباع سياسة الوضوح الكامل وإظهار جميع الحقائق المالية التي تعتمد عليها الأطراف المهتمة بالمشروع."(16)
كما عرف بأنه "نشر المعلومات الضرورية للفئات التي تحتاجها، وذلك لزيادة فاعلية العمليات التي يقوم بها السوق المالي، حيث أن الفئات المختلفة تحتاج للمعلومات لتقييم درجة المخاطرة التي تتعرض لها الشركات، للوصول إلى القرار الذي تستطيع من خلاله تحقيق أهدافها والتي تتناسب مع درجة المخاطرة التي ترغب بها."(17)
ويرى فريق آخر من الباحثين أن الإفصاح هو أحد الأركان الرئيسية للإعلام المحاسبي، ويعني تزويد المستخدمين الخارجيين بالمعلومات لغرض اتخاذ القرارات الاقتصادية.(18)
من خلال استعراض التعاريف السابقة فإنها تلتقي جميعا في أن الإفصاح هو الالتزام بسياسة الوضوح والشفافية في إظهار جميع المعلومات المحاسبية والحقائق المالية الهامة عن الشركات المقيدة في السوق المالية، التي من شأنها أن تؤثر على سعر الورقة المالية، والتي تهم الفئات الخارجية، على وجه الخصوص، بحيث تعينها على اتخاذ قرارات استثمارية وإقراضية رشيدة.(19)

2.4.1. أهمية الإفصاح

تظهر أهمية الإفصاح لكل من الأطراف التالية على النحو التالي:(20)
بالنسبة للمستثمر: تتجلى أهمية الاستثمار في تحفيز اهتمامه بالأوراق المالية انطلاقا من المعلومات المنشورة من خلال القوائم والتقارير المالية التي تعدها إدارة الشركة، مما يضمن له بناء توقعات واقعية عن العائد الذي يمكن أن تدره عليه هذه الأوراق، هذا ما يساعده على اتخاذ قرار الاستثمار في الشركة المعنية، وفق أسس سليمة بعيدا عن الشائعات والمضاربات، وبذلك يوفر الإفصاح حماية المستثمرين، وبالتالي تتحسن صورة الشركة فتكتسب سمعة جيدة من حيث النزاهة والشفافية في السوق المالية المسجلة فيها.
بالنسبة للسوق المالية: يمكن الإفصاح من خلق جو استثماري خال من أساليب الاحتيال وتضارب المصالح بين المديرين والمساهمين ومن المضاربة، مما يعزز الثقة في السوق، إضافة إلى ذلك فهو يقلل من التقلبات الحادة لأسعار الأوراق المالية في السوق، إذ بتوفر المعلومات المفيدة بشكل كاف، فإنه يمكن تقييم سعر الورقة المالية بطريقة سليمة، بما يضمن التسعير العادل لها.
إذن فالإفصاح عنصر جوهري من عناصر خلق الشفافية وتوطيد دعائم الثقة بالاستثمار في الأوراق المالية، وذلك من خلال نشر كافة المعلومات المحاسبية والمالية بصورة دورية للمستثمرين، لأن المعلومات المحاسبية تعد المصدر الأساسي في وضع أو إنشاء أو تركيب هيكل الأسعار النسبي للأوراق المالية.(21)

3.4.1. علاقة الإفصاح بحوكمة الشركات

تبرز علاقة الإفصاح بحوكمة الشركات باعتباره من أهم مبادئها التي يجب على مجلس الإدارة أن يهتم بها، من خلال القوائم والتقارير المالية. حيث تتجلى علاقة حوكمة الشركات بالقوائم المالية في التطبيق السليم لمبادئها، مما يساعد على تحقيق معدلات من الأرباح مناسبة، الأمر الذي يساعد الشركات على تدعيم رأسمالها وزيادة الاحتياطات وتراكمها بشكل مستمر، وهو ما يؤدي إلى توسع الشركات ونموها.(22) كما أن القوائم المالية تعتبر من أهم المقومات اللازمة لاتخاذ القرارات الاقتصادية التي تقدم لأعضاء مجلس الإدارة لاتخاذ مثل هذه القرارات، حيث تتوقف نجاعة القرارات على جودة المعلومات الموجودة في تلك القوائم المالية.
أما عن علاقة التقرير المالي والحوكمة فتتجسد في تحليل أو تأصيل جذور كل منهما، حيث يمكن اعتبار الإفصاح أساس أي نظام لحوكمة الشركات، وفي المقابل يحتاج نظام حوكمة الشركات إلى مستوى جيد من الإفصاح، ويعد الإفصاح أيضا واحدا من الأهداف الرئيسية لنظام التقرير المالي، حيث يرجح أن تعبر القوائم المالية عن نتيجة التعارض في الاهتمامات وتوازن القوى بين أصحاب المصالح، وأن المعلومات المفصح عنها بواسطة التقارير المالية تصف ما تريده الأطراف الداخلية من خلال ما تفصح عن أنشطة وأداء الشركة.(23)

 المحور الثاني: كفاءة السوق المالي

يعتبر السوق المالي المحور الرئيسي في عملية تنشيط الاستثمار، ذلك أنه يشكل الوعاء الذي تصب فيه المدخرات، التي يتم توجيهها لخلق طاقات إنتاجية جديدة. ولما كانت الشركات الشريان الرئيسي للأداء الاقتصادي في أسواق المال، فإن ما توفره من معلومات عن مركزها المالي، يشكل أساس الاستثمار في الأوراق المالية، وطالما أن المعلومات المحاسبية تشكل النواة الأولى التي تبنى عليها قرارات الشركة، فإن الالتزام بالإفصاح يساهم في الحفاظ على عدالة الفرص وشفافية المعلومات المحاسبية الواردة إلى السوق المالي، إضافة إلى تمكين المستثمرين من تقييم أداء الشركات، وصولا إلى الأسعار الحقيقية لأسهمها، هذا مفاده زيادة حجم العمليات والصفقات وتوفير السيولة التي تشجع التعامل في السوق، ومن ثم رفع كفاءتها.





1.2. ماهية كفاءة السوق المالي ومتطلباتها

1.1.2. تعريف كفاءة السوق

   وصف الاقتصادي (Fama) السوق الكفء بأنه: "السوق الذي تعكس فيه الأسعار كافة المعلومات بشكل تام."(24) ويشير ناصر بن غيث إلى أنه في ظل السوق الكفء نجد: "أن أسعار تداول أسهم أو سندات أي من الشركات المدرجة تعكس بشكل حقيقي جميع المعلومات المتعلقة بتلك الشركة وبوضعها المالي وبأدائها عموما."(25)
  كما يعرفه مثنى عبد الإله ناصر بأنه السوق الذي يعكس سعر السهم فيه توقعات المستثمرين بشأن المكاسب المستقبلية وبشأن المخاطر التي تتعرض لها هذه المكاسب.والجدير بالملاحظة أن إتاحة المعلومات للجميع لا تعني بأن تقديراتهم بشأن المكاسب المستقبلية والمخاطر المحيطة بها متطابقة تماما، فقرارات المستثمرين قليلي الخبرة قد تأخذ بالأسعار بعيدا عن قيمتها الحقيقية، ولكن ليس هذا هو المهم، فالمهم أن يكون كل مستثمر مقتنعا بأن تقديراته سليمة وغير مبالغ فيها.(26)وعليه يمكن القول بأن السوق الكفؤة هي تلك السوق التي تتمتع بقدر عال من المرونة، تسمح بتحقيق استجابة سريعة في أسعار الأوراق المالية للتغيرات في نتائج تحليل البيانات والمعلومات المتدفقة إلى السوق، بما يؤدي في نهاية الأمر إلى تحقيق التعادل بين القيمة السوقية والقيمة الحقيقية للورقة المالية.(27) هذا يعني أنه في ظل السوق الكفؤة تعكس القيمة السوقية للسهم تماما قيمته الحقيقية "Instrinsic value"، التي يتولد عنها عائد يكفي لتعويض المستثمر عما ينطوي عليه الاستثمار في ذلك السهم من مخاطر، وعلى هذا الأساس يمكن أن نميز بين مفهومين للكفاءة هما:
أ. الكفاءة الكاملة (Perfectly Efficient Market): ويقصد بها عدم وجود فاصل زمني بين تحليل المعلومات الواردة إلى السوق وبين الوصول إلى نتائج محددة بشأن سعر السهم، حيث يؤدي إلى تغير فوري فيه ومن ثم لا تتاح لأي مستثمر فرصة لا تتاح لغيره(28). وتتصف الأسواق الكاملة بما يلي:(29)
 - يجب أن تكون المعلومات غير مكلفة ومتاحة لكافة المتعاملين في السوق، فتكون توقعات المستثمرين متماثلة.
 - عدم وجود قيود على التعامل مثل تكاليف المعاملات أو ضرائب أو غيرها.
 - للمستثمرين الحق في بيع أو شراء الكمية التي يريدها في الأسهم ودون شروط وبسهولة.
 - كافة الأفراد متعادلون في تعظيم المنفعة المتوقعة.
 - وجود عدد كبير من المستثمرين، بما يؤدي إلى عدم تصرفات بعضهم على أسعار الأسهم.
 - اتصاف المستثمرين بالرشد، أي أنهم يسعون إلى تعظيم المنفعة التي يحصلون عليها وراء استغلال ثرواتهم.
ب. الكفاءة الاقتصادية (Economically Efficient Market): وفقا لهذا النوع يتوقع وجود فاصل زمني بين وصول المعلومات وانعكاسها على أسعار الأسهم.(30) هذا يعني أن القيمة السوقية للسهم قد تكون أعلى أو أقل من قيمته الحقيقية لبعض الوقت على الأقل، أي أن كيفية تغير سعر ذلك السهم تكون بطيئة بعض الشيء، غير أنه من المعتقد أنه بسبب تكلفة المعاملات والضرائب لن يكون الفرق بين القيمتين كبيرا لدرجة أن يحقق المستثمر من ورائها أرباحا غير عادية.

2.1.2. متطلبات كفاءة السوق

حتى تحقق السوق هدفها المنشود والمتمثل في التخصيص الكفء والتوجيه الفعال للموارد المالية المتاحة، فإن الأمر يتطلب توفر سمتين أساسيتين هما:
 أ. كفاءة التشغيل (الكفاءة الداخلية): وهي قدرة السوق على خلق التوازن بين العرض والطلب دون أن يتكبد المتعاملون تكاليف عالية عن العمولات، ودون أن تتاح فرصة لصناع السوق لتحقيق هامش ربح مغالى فيه.(31)
إذن فالكفاءة الداخلية هي كافة العوامل التي تساعد في تنشيط وتحسين وتسويق الأوراق المالية في البورصة، خاصة فيما يتعلق بتخفيض تكلفة التعامل.
 ب. كفاءة التسعير (الكفاءة الخارجية): وفيها يعكس السوق تماما كافة المعلومات المتاحة والمناسبة لتحديد القيم وذلك في أية لحظة.(32) هذا يعني أن الفرصة متاحة للجميع للحصول على تلك المعلومات، فتكون لديهم الفرصة نفسها لتحقيق الأرباح، مما يجعل أسعار الأوراق المالية مرآة عاكسة لكافة المعلومات المتاحة.
وبذلك فإن كفاءة التسعير تعتمد إلى حد كبير على كفاءة التشغيل، إذ ينبغي أن تكون كلفة الحصول على المعلومات منخفضة مقارنة بفرصة الحصول على العائد المتحقق، أي أن كلفة إتمام الصفقات عند حدها الأدنى.(33)
وحتى تتحقق كل من كفاءة التسعير وكفاءة التشغيل، لابد من توفير مجموعة من الشروط أهمها:(34)
  - أن تسود سوق الأوراق المالية المنافسة الكاملة.
 - توفر عنصر الشفافية بقدر يجعل المعلومات عن أسعار الأوراق المالية المتداولة فيها، وما يتم من صفقات على هذه الأوراق، متاحة لجميع المتعاملين فيها على قدم المساواة.
 - أن يتوفر لسوق الأوراق المالية وسائل وقنوات اتصال فعالة توفر للمتعاملين فيها معلومات دقيقة حول السعر وحجم عمليات التبادل، بالإضافة إلى مؤشرات العرض والطلب في الحاضر والمستقبل.
 - كما يشترط أن تكون سوق الأوراق المالية والمتعاملون فيها محكومين من قبل هيئة أو لجنة تعرف بلجنة البورصة.
 - أن توفر سوق الأوراق المالية خاصية سيولة هذه الأوراق المتداولة فيها.
 - من الأمور التي يجب إدراكها أن مفهوم كفاءة السوق نسبي وليس مطلقا.

2.2. صيغ كفاءة السوق

 يمكن التمييز بين ثلاثة أشكال مختلفة لكفاءة السوق والمتمثلة فيما يلي:
 أ. الشكل الضعيف: يقتضي هذا الفرض بأن "المعلومات التي تعكسها أسعار الأسهم في السوق هي المعلومات السابقة المتعلقة بالأسعار والإيرادات وغيرها من المعلومات التاريخية، بشأن ماحدث من تغيرات على السهم وعلى حجم التعامل في الماضي."(35) هذا يعني أن محاولة التنبؤ بما سيكون عليه السعر في المستقبل من خلال دراسة التغيرات التي حدثت في الماضي هي مسألة عديمة الجدوى، لأن تلك المعلومات أصبحت معروفة لدى الجميع وهي موجودة مسبقا في الأسعار الحالية، ومن ثم لايمكن استعمال هذه المعلومات من قبل بعض أو كل المستثمرين للتفوق على غيرهم في تحقيق أرباح متميزة، لذا نطلق على هذا الشكل فكرة  "الحركة العشوائية للأسعار".
 ب. الشكل المتوسط: حسب هذا الشكل فإن أسعار الأوراق المالية، خاصة الأسهم، لا تعكس فقط التغيرات السابقة في السعر (المعلومات التاريخية) فحسب، وإنما تعكس أيضا كافة المعلومات المتاحة لعامة الناس.(36) ما يهم هنا هو مدى استجابة السوق لتلك المعلومات وهل تتغير الأسعار بسرعة بمجرد وصولها إلى السوق؟ الاستجابة أو التغير هنا يعني أن الأسعار تعكس تلك المعلومات الواردة للسوق بالسرعة المطلوبة، التي قد تجعل المستثمرين يحققون أرباحا غير عادية على حساب غيرهم، وعليه كلما زادت سرعة استجابة السوق، كلما كان ذلك دليلا على الكفاءة.
 ج. الشكل القوي: يقصد به أن أسعار الأسهم لا تعكس كافة المعلومات المعروفة لدى العامة والمنشورة فحسب، وإنما تعكس أيضا المعلومات التي لم تنشر بعد أو غير المعروفة بعد.(37) أي أنه في ظل هذه الصيغة القوية للكفاءة يتوقع أن تعكس الأسعار الحالية بصفة كاملة كل المعلومات المتاحة للعامة والخاصة، حيث يفترض أن هناك فئات معينة من المستثمرين لها وسائلها الخاصة في الحصول على معلومات لم تتاح لغيرها بعد، واستعمالها في تحقيق أرباح تفوق أرباح غيرهم من المتعاملين.

3.2. أثر الإفصاح المحاسبي على كفاءة الأسواق المالية

     يلعب الإفصاح المحاسبي دورا هاما في تحقيق الآلية الخاصة بأسواق المال، من حيث تحديد الأسعار المناسبة للأسهم وتحقيق التوازن بين درجة المخاطرة والعائد الذي تحققه، أي أن الإفصاح يؤدي إلى تخفيض عدم التأكد فيما يتعلق بالاستثمار وإقبال المدخرين على تقديم أموالهم للمستثمرين، مما يؤدي إلى زيادة عدد الأسهم المعروضة للشراء أو البيع، وكذلك زيادة حجم التعامل، ما يؤدي بدوره إلى تنشيط التداول في السوق المالية.
فالمستثمرون في حاجة إلى المعلومات المحاسبية التي تمكنهم من تقدير التدفقات النقدية المستقبلية، وتقدير درجة المخاطر الخاصة بالأسهم، بالإضافة إلى تكوين محفظة ملائمة للأوراق المالية، بهدف تجنب المخاطر غير المنتظمة عن طريق تنويع الاستثمارات.(38)

1.3.2. علاقة المعلومات المحاسبية بكفاءة السوق المالية

    تتوقف كفاءة السوق على مدى توافر المعلومات، من حيث سرعة تواجدها وعدالة فرص الاستفادة منها وتكاليف الحصول عليها، أي أنها تساعد في تحديد العوامل المؤثرة في القيمة السوقية للورقة المالية بعيدا عن الشائعات.
فالمستثمر عند اتخاذه للقرارات المتعلقة باستثمار أمواله، يعتمد على المعلومات المحاسبية الموجودة في القوائم المالية المنشورة والمتعلقة بالمركز المالي للشركات، لذا تعتبر المعلومات المحاسبية عاملا أساسيا في ترشيد قرارات الاستثمار في الأوراق المالية، وكذا عقد المقارنات بين فرص الاستثمار المتعددة المتعلقة بالشركات الأخرى المدرجة.(39)ويتمثل تأثير المعلومات على السوق المالي في شقين كما يلي:(40)
 أ. الدور التسييري (Facilitaling role): وذلك عن طريق إمداد المستثمرين بالمعلومات عن الشركات التي تطرح أسهمها في البورصة قبل اتخاذ قرار الشراء أو البيع، بهدف دعم وترشيد ذلك القرار.
 ب. الدور التأثيري (Influencing role): هنا يتوجب خلق توازن بين المخاطر والعوائد في محفظة الأوراق المالية، بما يحقق للمستثمرين الربحية المستهدفة من جهة، ويحفظ الاستقرار للسوق المالي قدر الإمكان من جهة أخرى.وعليه يمكن القول أن كفاءة السوق المالي تتوقف على كفاءة نظام المعلومات المحاسبية، بحيث تتدفق من خلاله المعلومات المناسبة والضرورية وفي الوقت المناسب وبالتكلفة المناسبة، والتي تمكن المستثمرين من اختيار أفضل البدائل المتاحة للاستثمار.بناءا على ما سبق فإن نجاح السوق المالي يحتاج إلى معلومات تبنى على أساس مجموعة من العناصر تتمثل فيما يلي:(41)
ü         الإفصاح المالي ودوره في ضبط حركة السوق المالي، من خلال توفير قدر كاف من المعلومات التي يمكن استخدامها في المفاضلة بين فرص الاستثمار المختلفة.
ü         توفر المعلومات المالية التي تعكس المركز المالي للشركة المعنية لحساب القيمة الحقيقية لها.
يتضح مما سبق أهمية الإفصاح عن المعلومات في مساعدة المستثمرين في معرفة الأنشطة الاقتصادية كافة والعمليات التي قامت بها الشركة. من هنا كان الإفصاح المالي المحاسبي مسألة قانونية تلزم كل شركات الأموال بنشر القوائم المالية، والإفصاح عنها في أوقات محددة لتحقيق الكفاءة في السوق المالي، وذلك عن طريق:
    - متابعة التزام الشركات بتوفير معلومات تتصف بالدقة والشفافية المطلوبة.
    - تطبيق قواعد ومعايير المحاسبة والمراجعة.
    - الالتزام بالمعايير الدولية عن متطلبات الإفصاح والشفافية.
    - تقييم أداء الشركات وشركات السمسرة في الأوراق المالية.

2.3.2. أهمية المعلومات في ظل حوكمة الشركات

          لا ريب أن أهم العوامل التي ظهرت من أجلها حوكمة الشركات، هو إعادة الثقة للمتعاملين في أسواق المال، وذلك بعد سلسلة الانهيارات التي طالت الكثير من الشركات العالمية العملاقة، والتي يمكن أن نؤكد أن معظمها افتقدت إلى دقة وصحة المعلومات المحاسبية.
هذه المعلومات تهدف إلى إعطاء تمثيل للواقع الاقتصادي للشركة، وعلى هذا الأساس جاء مبدأ الإفصاح والشفافية كمبدء رئيسي تعتمد عليه حوكمة الشركات، والذي ينطوي على إعداد ومراجعة المعلومات المحاسبية والإفصاح عنها بما يتوافق مع المعايير المتعارف عليها.(42)
 فكل من الإفصاح والشفافية لهما دور في ضمان شفافية واستقامة وانتظام المعاملات في أسواق المال، وذلك حماية لدور سعر السهم في تقييم الشركة. ويبرز هذا الدور من خلال قواعد الشفافية والإفصاح، والتي يمكن الإشارة إليها من خلال النقاط التالية:(43)
ü       القواعد المتعلقة بإعلان القوائم المالية والحسابات الختامية لجمهور المساهمين بعد إخضاعها للمراجعة المستقلة.
ü       القواعد المتعلقة بعقد الجمعيات العمومية وضرورة إعلان أول أعمالها مسبقا والشروط المتعلقة بهذا  الإعلان.
ü       القواعد المتعلقة بالغش، وإعلان المعلومات المضللة، أو مضاربة الشركة بأسهمها، مما قد يؤدي إلى ظهور حركة غير طبيعية لأسعار الأسهم.
ü       القواعد التي تستلزم من أصحاب الحصص الكبيرة، الإعلان عما يمتلكوه من حصص في رأسمال الشركة.
ü       القاعدة العامة تتمثل في أنه على الشركة الإعلان عن كافة المعلومات بحيث تكون صحيحة وكافية ويمكن الاعتماد عليها.
          ونافلة القول أن: حوكمة الشركات تهدف إلى تحسين مصداقية المعلومات المحاسبية وتحقيق سهولة فهمها، مما يزيد اهتمام المستثمرين وينعكس على الجوانب المختلفة للسوق المالي، كما يظهر ذلك في الشكل التالي:


الشكل رقم (1): علاقة حوكمة الشركات بالمعلومات وتأثيرها على الأسواق

 

حوكمة الشركات
تحقيق المعايير المختلفة
لجودة المعلومات
 


                                              
                                                                                       
                                           
                                                                            
معايير مهنية
معايير فنية
معايير رقابية
معايير قانونية
                                                     


ينعكس ذلك على المستثمر
                                                                          
                               
الرشد في اتخاذ القرار
القدرة على اتخاذ القرار
الثقة في المعلومات المحاسبية
                                              
                                           
    
ينعكس ذلك على السوق المالي
                                                                   



العوائد على الأسهم
حركة التداول
أسعار الأسهم
                                             
                                                                                      







المصدر: محمد إبراهيم خليل، دور حوكمة الشركات في تحقيق جودة المعلومات المحاسبية وانعكاساتها على سوق الأوراق المالية- دراسة تطبيقية، عن موقع، www.ac.ly

3.3.2.  أثر عدم تماثل المعلومات على كفاءة الأسواق المالية:

          ماذا لو لم تكن السوق كفؤة؟ تظهر كفاءة السوق المالية عند  مقارنتها بحالة اللاكفاءة. فعندما تكون السوق كفؤة فإن الأسعار تعكس المعلومات بصدق وبسرعة بمجرد وصولها، ماذا لو لم يتحقق الشرطان؟
إن الأسعار في السوق الكفؤة عشوائية لا يمكن التنبؤ بها، فإذا لم تنعكس المعلومات في الأسعار، فهذا يعني وجود فاصل بين وصول المعلومة وانعكاسها في الأسعار، يستغله بعض المستثمرين لتحقيق أرباح غير عادية لأنها غير دائمة، فسرعان ما تنتشر تلك المعلومة بين كافة المستثمرين، ويصبح هامش أرباح أولئك المستثمرين معدوما. في هذه الحالة يمكن التنبؤ بالأسعار، وهذا ما يعرف باللاكفاءة التي ينتج عنها فقدان الثقة في السوق المالية التي تبدأ بالانهيار تدريجيا.
إن غياب المعلومات يفسح المجال لاستغلالها من قبل عدد محدود من المتعاملين في إنجاز معاملات غير عادلة، لأنها تقوم على استغلال معلومات لا يملكها غيرهم، وبالتالي فحصول بعض المتعاملين على معلومات مهمة غير منشورة قبل غيرهم، يمكنهم من تحقيق أرباح مميزة.(44)
    ففي ورقة بحثية بعنوان "التكنولوجيا وإنتاج المعلومات وكفاءة السوق"، ناقش كل من (Shleifer and Gildor) تأثير التكنولوجيا على الأسواق المالية، فحسب رأيهما أن التقدم التكنولوجي أدى إلى تطور الأسواق المالية بصورة ملحوظة، إلا أن مستوى جودة المعلومات قد تدهور، وذلك لاجتذاب أعداد غفيرة من المستثمرين عديمي الخبرة في مجال السوق المالية، كما أن قدرتهم ضعيفة لاستيعاب المعلومات المفصح عنها وتقييم الأسهم وتحديد القرار الاستثماري الملائم على أساسها، فكانت خصائص أولئك المستثمرين بمثابة حافز قوي لدفع الشركات لتشويه المعلومات الواجب الإفصاح عنها وجعلها أكثر غموضا، كما طالبا بتنظيم برامج تعليم للمستثمرين وإصدار قواعد الإفصاح عن المعلومات.إذن تستطيع بعض الأطراف الداخلية للشركة في كثير من الحالات استغلال المعلومات المحاسبية قبل نشرها في القوائم والتقارير المالية لتحقيق أرباح غير عادية، كما قد تتعمد إدارة الشركة حجب بعض المعلومات على اعتقاد أنها تضر بمركزها التنافسي، وبهذا يؤدي عدم تماثل المعلومات إلى انسحاب الأطراف التي لا تملك معلومات فيصغر بذلك حجم السوق وترتفع تكلفة العمليات، وهو ما يؤدي بدوره إلى تخفيض سيولة الأسهم، مما يؤثر سلبا على حركة الاستثمار والتنمية الاقتصادية.
 وقد أظهر (Milgron and Glosten) عام 1985، أن الفرق في السعر يزيد عندما تزداد أهمية المعلومات لدى الأطراف الداخلية، وكذلك عندما يرتفع عدد المتعاملين الذين يملكون المعلومات نسبة إلى عدد المتعاملين الذين هم بحاجة إلى سيولة جاهزة. إذن فزيادة عدم تماثل المعلومات بالنسبة لهم معين، تؤدي بالمختصين إلى وضع مدى "spread" واسع لتقليل التعامل في السهم حتى يختفي مدى السعر في السوق، كما هو موضح في الشكل التالي:

الشكل رقم (2): العلاقة بين عدم تماثل المعلومات ومدى السعر

عدم تماثل المعلومات



                                          


                  
                          مدى السعر




المصدر: كمال الدين الدهراوي ومحمد سرايا، دراسات متقدمة في المحاسبة والمراجعة، الدار الجامعية، الإسكندرية، 2001، ص. 24.

          وخلاصة ما سبق، هو أن تسريب المعلومات وتداولها وسط فئة محدودة من المتعاملين، ينطوي على تعامل مبني على الغش والخداع، كما أنه يضر بمصالح حملة الأوراق المالية، فضلا على أنه يسيء إلى المناخ الاستثماري العام.
ويمكن توضيح آثار عدم تماثل المعلومات على أسواق المال من خلال الشكل التالي:



الشكل رقم (3): أثر عدم تماثل المعلومات على أسواق المال


عدم تماثل المعلومات
                                     
                                            
أساليب دفاعية من قبل الأطراف التي لا تملك معلومات
                                            


                                                                      
الإحجام عن شراء أسهم بعض الشركات
حرمان المديرين من التعامل في  أسهم الشركات
تكوين محفظة طويلة الأجل
                                     
                                                                  
تأثير سلبي على السوق المالي
                                                                                     

انخفاض درجة سيولة الأسهم
 زيادة تكلفة العمليات  
انخفاض عدد الأسهم المتداولة
انخفاض حجم المبيعات
 



المصدر: كمال الدين الدهراوي ومحمد سرايا، دراسات متقدمة في المحاسبة والمراجعة، الدار الجامعية، الإسكندرية، 2001، ص.35.

4.3.2. دور الإفصاح في تخفيض عدم تماثل المعلومات
يعمل الإفصاح على تخفيض عدم تماثل المعلومات "Information Asymmetry" بين الأطراف الداخلية والخارجية، وبالتالي زيادة كفاءة السوق المالي وصولا إلى الأسعار الحقيقية الأسهم، إلى جانب زيادة حجم العمليات وتوفير السيولة التي تشجع التعامل في السوق.
هذا من شأنه أن يخفض تكلفة العمليات وزيادة العائد منها وتحقيق المنفعة للاقتصاد القومي ككل، ففي ظل الكفاءة التي يتمتع بها السوق يسعى كل طرف جاهدا لتحقيق أغراضه الذاتية دون الإخلال بالتوازن القائم في السوق. وقد ناقشت عدة بحوث الحوافز الخاصة بإدارة الشركات لتحقيق كفاءة السوق عن طريق الإفصاح الذاتي عن المعلومات المحاسبية للجمهور كافة، محاولة من خلاله طمأنته بصدق البيانات المفصح عنها، مدعمة ذلك بتقرير مراجع الحسابات الخارجي، وهناك ثلاث نظريات تفسر سلوك الإدارة بالنسبة للإفصاح تتمثل فيما يلي:(45)
أ. نظريات التعاقدات الكفؤة "Efficient Contacts": وفقا لهذه النظرية، فإن كافة الأطراف تتصف بالرشد الاقتصادي، فيحاول كل منها تخفيض تكاليف الوكالة عن طريق التعاقد فيما بينها لمنع استغلال طرف لطرف آخر. وقد أبرزت بحوث عديدة مثل: (Benston, 1986)، (Lew et Penman, 1990 أن درجة الإفصاح تزداد بزيادة حجم الشركة وارتفاع نسبة الديون الخارجية وزيادة سيطرة المدراء على أمور الشركة.
ب. نظرية السلوك الانتهازي "opportunstie Behavior": تفترض هذه النظرية أن اختيار الطرق المحاسبية وشكل الإفصاح يتأثر بالسلوك الانتهازي للمدراء، أي أنهم يحاولون تعظيم ثروتهم المتمثلة في ملكيتهم للأسهم والمكافآت التي يحصلون عليها، وبالتالي يختارون من الطرق المحاسبية التي من شأنها أن تزيد من الأرباح المالية على حساب الفترات المستقبلية.
ومن أهم البحوث التي تطرقت إلى هذا الغرض نذكر: (Watts, 1977)، (Hauthansen, 1981)، (Healy, 1985). إذ توصلت هذه الأخيرة إلى أن الشركات كبيرة الحجم تحاول تخفيض أرباحها لتفادي التكاليف السياسية الناتجة عن التدخل الحكومي وزيادة الضرائب المفروضة عليها.
ج. نظرية توفير المعلومات "Information Perspective": تقوم هذه النظرية على اختيار المدراء للطرق المحاسبية وشكل الإفصاح بطريقة تعكس القيمة الاقتصادية للشركة، بحيث تساعد المستثمرين على تقدير التدفقات النقدية من استثماراتهم. ونظرا لحداثة هذه النظرية، توجد دراستان فقط اختبرت فروضها، الأولى كانت لـ (Malmqnist) عام 1990، أثبت من خلالها أن شركات البترول تختار بين طريقتي الجهود الناجحة والتكاليف الشاملة، وهما تعكسان نشاط الشركة في البحث والتنقيب، وبالتالي تظهر القيمة الاقتصادية للشركة.
أما الدراسة الثانية التي قام بها (Main and Smith) عام 1990، فقد أثبتت أن الشركات القابضة تختار بين تجميع القوائم المحاسبية وبين فصلها، بناءا على مدى اعتماد الشركتين القابضة والتابعة على بعضهما.

4.2. أثر حوكمة الشركات على كفاءة أسواق المال

تكتسي قواعد الحوكمة أهمية بالغة لتحقيق كفاءة أسواق المال، لأنها تؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق التوازن في أسعار الأسهم. ومن المعروف أن كفاءة السوق تتوقف على مدى توفر المعلومات لمجموع المستثمرين في توقيت واحد، وأن الحوكمة لديها الآليات التي تضمن الوصول إلى الإفصاح عن تلك المعلومات التي تمكن من تحقيق كفاءة سوق المال، خاصة من خلال مجموع المزايا التي يوفرها الإفصاح، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:(46)
ü      زيادة الإفصاح عن المعلومات الداخلية يقلل من مستوى عدم تماثل المعلومات.
ü      زيادة الإفصاح عن المعلومات الداخلية يضمن تحسين السيولة وتقليل صانعي السوق.
ü      زيادة الإفصاح عن المعلومات الداخلية يقلل من تقلبات أسعار الأسهم.
 وعليه فإن تحسين أو تدهور الحوكمة له دور كبير في تحديد أداء الأسهم، لأن هناك علاقة طردية بين حوكمة الشركات وتحديد السعر العادل للسهم، وترجع هذه العلاقة إلى الأسباب التالية:
·        نوعية المعلومات المتاحة لكافة المستثمرين تعكس جودة الحوكمة، حيث أن مبدأ الإفصاح والشفافية أحد مبادئ حوكمة الشركات.
·        حوكمة الشركات هي انعكاس لنوعية الإدارة، حيث أن الإدارة الواعية تتأكد مع ارتفاع مستوى حوكمة الشركات هو المفتاح الذي يربطها بأداء سعر السهم، على عكس الإدارة غير الواعية، تسعى دائما إلى الحصول على منافع ذاتية من ضعف مستوى الحوكمة، مما يؤثر على أسعار الأسهم.
·        حوكمة الشركات بما لديها من آليات رقابية على الإدارة تمنعها من التلاعب بالمعلومات الداخلية، مما يؤدي إلى حد ما، إلى تماثل المعلومات بين المستثمرين، مما ينعكس في النهاية على أداء سعر السهم.
·        وجود علاقة ارتباط طردية بين مستوى حوكمة الشركات ومستوى كفاءة السوق المالية.
وبما أن ثقة المستثمرين لا تتوفر إلا إذا تأكدوا أنهم سيحصلون على معاملة عادلة ومتكافئة، فقد وجب على نظام الحوكمة الجيد أن يوفر وسائل يتسنى للمساهمين استخدامها لحماية حقوقهم في الشركة، ويتأكدوا من خلالها أن أموالهم ستوظف بالشكل الذي يراعي مصالحهم.(47)
          في ظل هذه الرؤية يظهر عنصر الثقة كأحد السمات المميزة لنظام الحوكمة الجيد، لأن خلق الثقة على مستوى الأسواق من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الرغبة في التداول وتحريك السيولة لدى المدخرين، وبهذا نقول أن الثقة هي إنتاج نظام الحوكمة.
ويمكن أن نلخص تأثير حوكمة الشركات على كفاءة أسواق المال من خلال المخطط التالي:

 التطبيق الجيد لقواعد الإفصاح وحوكمة الشركات         تحقيق الشفافية                حماية المستثمرين         تحقيق العدالة  

                        
       رفع كفاءة السوق           تحريك السيولة               تداول نشط               كسب وتعزيز ثقة المستثمرين                
1.4.2.     كيف يتم التضليل على مستوى الأسواق؟
أوضحت الأزمات نقاط ضعف في الرقابة على الأنشطة المالية للمؤسسات غير المالية، ومثال ذلك شركة     "ENRON"، التي كانت صانع سوق رئيسي في سوق المشتقات الطاقوية، وإحدى الشركات الكبيرة التي تمد السوق بالسيولة. حيث قامت باستخدام أساليب محاسبة معقدة، الغرض منها حجب وعدم توضيح الإفراط في الاعتماد على الاقتراض لتمويل أنشطتها وإخفاء ضعف إيراداتها، فأدى ذلك إلى الإفراط في تنفيذ عمليات بالغة التعقيد خارج الميزانية، إلى صعوبة إدراكها واكتشافها بواسطة المحللين الماليين والمساهمين. ويمكن إرجاع ذلك إلى وجود بعض الثغرات في معايير المحاسبة الأمريكية في معالجة ومحاسبة الأنشطة التي تنفذ خارج الميزانية.
إن تفشي مثل هذه المظاهر التي توحي بالتضليل والتلاعب والفساد في بعض الشركات، من شأنها أن تشيع جوا من الإحباط والتوجس والريبة في الأسواق، مما يؤدي إلى تعثر عدد كبير من المتعاملين وعزوفهم عن الاستثمار، كما قد تترتب مخاطر أخرى منها:(48)
  - ضعف الاستثمار وهروب الأموال خارج البلد.
  - إحجام المستثمرين وعزوفهم عن الاستثمار محليا ودوليا.
  - تعرض الشركات للخسارة والإفلاس.
  - انكماش حجم المعاملات في أسواق المال.
فارتكاب أخطاء عن قصد أو حدوث تجاوزات في البيانات المحاسبية يعتبر تلاعبا محاسبيا يهدف إلى التأثير على اتجاه السوق، كما أن إجراء تغيير في الطرق والسياسات المحاسبية في الشركة من شأنه أن يغير من النتائج المحققة.
 ويمكن إظهار بعض التجاوزات فيما يلي:(49)
أ. التلاعب في الدفاتر والسجلات: قد يتعمد المحاسب ارتكاب عمليات وهمية في دفاتر وسجلات الشركة بغية تغطية تلاعب ما، كإضافة أسماء وهمية إلى كشف أجور العمال أو تزوير إيصالات الدفع...الخ.
ب. التلاعب في حسابات الشركة: قد تتبع الشركة طرقا غير مشروعة قصد التأثير على دلالة القوائم المالية وعلى نتيجة الشركة ومركزها المالي، ويمكن أن يكون التلاعب قصد تضخيم نتيجة الدورة أو العكس.
ج. التعامل الداخلي: ويقصد به استغلال المعلومات الداخلية من قبل الأشخاص المطلعين أو غير المطلعين، ممن آلت إليهم معلومات داخلية في تحقيق مكاسب مادية أو معنوية.(50)
2.4.2. دور حوكمة الشركات في مواجهة الفساد
إن حوكمة الشركات لا تعني فقط مجرد الالتزام بتطبيق مجموعة من القواعد واحترامها، وإنما هي ثقافة وأسلوب لضبط العلاقة بين مالكي الشركة ومديريها والمساهمين والمتعاملين معها.
وكما سبق وأن أشرنا فإن كفاءة السوق المالي تتطلب العديد من المقومات والأخلاقيات، نخص بالذكر في هذا الصدد الأهم منها كالآتي:
أ. تحسين مستوى الإفصاح: يتبنى المحاسبون والمراجعون مدخلين أساسيين لتبرير الحاجة إلى مراجعة المعلومات المحاسبية المنشورة بالتقارير والقوائم المالية، بهدف توفير الحياد والصدق وتعظيم منفعة استخدام المعلومات المحاسبية المستمدة من تلك القوائم والتقارير، كأساس لاتخاذ القرارات الاستثمارية. ويتمثل هذان المدخلان في:(51)
v         مدخل تعارض المصالح: يشير هذا المدخل إلى المصالح الذاتية لمعدي القوائم المالية ومستخدميها، حيث أن أهداف مستخدمي المعلومات المحاسبية تختلف عن أهداف معديها، هذا ما يتطلب وجود مراجع محايد يكون كفؤا، حتى يؤكد عدالة تعبير القوائم المالية عن المركز المالي ونتيجة الأعمال والتغيرات التي حدثت في المركز المالي.
ويظهر التعارض في أن إدارة الشركة تسعى جاهدة إلى تعظيم هدفها ومنفعتها باستخدام سياسات محاسبية معينة تمكنها من تحقيق فائض وتحسين مركزها المالي، بينما يرغب المساهمون في الحصول على أكبر عائد عن الأسهم التي بحوزتهم، ويذكر كل من " Watts et Zimmerman" أن التعارض في المصالح داخل الشركة يتمثل في:
-        التعارض في المصالح بين الإدارة والمساهمين الذي تنشأ عنه تكلفة الوكالة المتعلقة بأصحاب حقوق الملكية.
-        التعارض في المصالح بين الإدارة وحملة الأسهم والسندات الذي تنشأ عنه تكلفة الوكالة المتعلقة برأس المال المقترض.
ويرى "David" في دراسته أن الطلب على خدمات المراجعة ناتج عن التعارض في المصالح، بين الإدارة باعتبارها الطرف الذي يعد المعلومات المحاسبية، وبين المساهمين بوصفهم الطرف الذي يستخدم تلك المعلومات في تقييم نتائج أداء الشركة.
v         مدخل تعظيم استخدام المعلومات المحاسبية: إذا كانت الحاجة إلى وجود المراجعة قد اتضحت بسبب وجود مصالح متعارضة، فإن الحاجة إلى تطوير المراجعة واتساع مجال تطبيقها، يمكن أن تجد مبررها باستخدام مدخل تعظيم منفعة استخدام المعلومات المحاسبية.
فقد أثبتت إحدى الدراسات أن الحاجة إلى تعظيم منفعة استخدام المعلومات المحاسبية تزداد في حالة تعارض المصالح لمستخدمي تلك المعلومات، إذ أن تعارض المصالح لا ينشىء الحاجة إلى المراجعة، ولكنه يكشف عن أهمية تلك الحاجة، وبذلك يعتبر مدخل تعارض المصالح كاشفا عن أهمية المراجعة، بينما يعتبر مدخل تعظيم استخدام المعلومات المحاسبية كافيا لتبرير الحاجة إلى المراجعة، وهو أعم وأشمل من المدخل السابق.
أي أن فعالية هياكل حوكمة الشركات تعتمد على قدرتها للحد من حالات المعلومات غير المماثلة وتضارب المصالح.(52)
ب. الحاجة إلى معايير محاسبية لتقليص عدم تماثل المعلومات: مسايرة للتطورات الحديثة للمالية العالمية، أصبحت هناك حاجة ماسة إلى تدعيم العمل بالشفافية والرقابة وتطوير النظم المحاسبية من خلال إصدار معايير محاسبية موحدة، من شأنها توحيد الممارسات المحاسبية، مما يساهم في استقرار النظام المالي، وباعتبارها توفر إلى حد كبير المتطلبات الأساسية في البيانات المالية.
عمليا هناك نموذجان:(53)
v         النموذج الأمريكي: ويتمثل في مجموعة المعايير الأمريكية المسماة "The US GAAP" التي تقوم على قواعد مفصلة جدا ويرغب في تطبيقها على المستوى العالمي.
v         النموذج الأوروبي: متمثلا في لجنة المعايير المحاسبية الدولية "IASC" والتي تركز على المبادئ أكثر مما تقوم على التطابق مع القواعد الرسمية المفصلة. هذه المعايير تمت المصادقة عليها من طرف البرلمان الأوروبي سنة 2002، لتعتمد كمرجع محاسبي انطلاقا من سنة 2005 لجميع الشركات المقيدة بالبورصة الأوروبية.
وجدير بالتنويه أنه في سنة 2001 تم استبدال هذه اللجنة بمجلس معايير المحاسبة الدولية، حيث اعتمد المعايير الدولية السابقة وأخذ على عاتقه مسؤولية تعديل هذه المعايير وتفسيرها، ليظهر مفهوم جديد باسم المعايير الدولية للتقارير المالية  " IFRS" بدلا من مصطلح معايير المحاسبة الدولية، حتى يمكن التمييز بينهما.(54)
  من العرض السابق نخلص إلى أن الصدق في التعامل بالأوراق المالية يتطلب تحديد هدفين أساسيين هما:
·       توفير المعلومات المالية وغير المالية الضرورية والمفيدة عن الشركات قبل طرح أوراقها المالية للاكتتاب العام على المستثمرين.
·       منع الغش، الخداع، والتضليل ومختلف التعاملات اللاأخلاقية ومظاهر الفساد في تداول الأوراق المالية.
   غير أن تحقق هذين الهدفين مرهون إلى حد كبير بمدى التزام الشركات بتطبيق قواعد الإفصاح، من جهة، ومن جهة أخرى بتطبيق نظام الحوكمة باعتبارها جهازا رقابيا يحسن من مستوى الإفصاح والشفافية.

المحور الثالث: واقع حوكمة الشركات في الجزائر

          إسقاطا لما تم التعرض إليه سابقا،فإن هذا المحور يناقش مستوى كفاءة السوق المالي الجزائري (بورصة الجزائر)، وكذا الوقوف على أهم المعوقات والعراقيل التي تحول دون تطبيق حوكمة الشركات في الجزائر.
1.3.  التعريف ببورصة الجزائر
 شهد الاقتصاد الجزائري العديد من الإصلاحات التي شملت مرحلتين هامتين هما:
المرحلة الأولى: امتدت من بداية الاستقلال (1962) حتى أواخر السبعينات، وقد تميزت هذه المرحلة بنشوء المؤسسة الاقتصادية، وبخاصة في العشرية الأولى من تلك الفترة. أما العشرية الثانية، فقد انصب الاهتمام فيها على تقنين أدائها من خلال تعاملها مع المحيط الداخلي والخارجي.
المرحلة الثانية: امتدت من الثمانينات إلى التسعينات، حيث اقترنت بتغيير نمط السياسية الاقتصادية المطبقة في المرحلة الأولى، فبعد سياسة إعادة الهيكلة العضوية والمالية مع بداية الثمانينات، جاءت سياسة الاستقلالية التي توحي بتحرير المؤسسات والاقتصاد الوطني ككل، وهو ما ألحق خسائر كبيرة لدى المؤسسات، ترتب عنه وإلى حد كبير انخفاض الأداء الاقتصادي. كما شكل الاعتماد الكلي للمؤسسات الاقتصادية من الناحية المالية على ميزانية الدولة عبئا ماليا ضخما، الأمر الذي ساهم في تضخيم حجم المديونية على الصعيدين الداخلي والخارجي، وذلك نتيجة ضعف أداء المؤسسات الوطنية وعدم توصلها لتحقيق المردودية، هذا ما دفع متخذي القرار في الدولة إلى التفكير في إيجاد حل من خلال خوصصة القطاع العام، إلى جانب إنشاء سوق مالية لتداول الأوراق المالية المصدرة من قبل شركات المساهمة.
إذن واجهت المؤسسات الوطنية بشكل عام ندرة في مصادر التمويل، وأمام محدودية الموارد وجدت نفسها عاجزة في ظل تواجد جهاز مصرفي لم يرق في منظومته وخدماته إلى أداء دوره التمويلي المنوط به، إذ ظل إلى حد بعيد عاجزا عن تجنيد الادخار المحلي لخدمة القطاعات الإنتاجية، من هنا ظهرت الحاجة إلى إنشاء سوق مالية كآلية تمويل تتزامن في إنشائها مع التقرير بالدخول في تطبيق برامج الخوصصة.
وكما هو معلوم فتحت بورصة الجزائر للتداول في 13 سبتمبر 1999 إثر صدور المرسوم التشريعي رقم 10/93 (55) الصادر في 23 ماي 1993، الذي أقر إنشاء بورصة الجزائر بثلاث شركات مساهمة هي: شركة الرياض (متخصصة في تحويل وتسويق الحبوب ومشتقاتها)، مجمع صيدال (إنتاج المواد الصيدلانية) ومؤسسة الأوراسي (للخدمات الفندقية)، ولم تدرج أي شركة منذ 14 فيفري 2000، الشيء الذي جعل بورصة الجزائر ضيقة وصغيرة وقليلة النشاط مقارنة مع بقية البورصات العربية، لاسيما منذ سنة 2002. وإن كنا نشير في هذا الإطار إلى أنه يتم حاليا تداول سندات خاصة بالشركات التالية: الخطوط الجوية الجزائرية(Air Algérie)، اتصالات الجزائر(Algérie Telecom)، الشركة الوطنية للكهرباء والغاز (Sonelgaz).

2.3. محاولة قياس مستوى كفاءة بورصة الجزائر

          إن للمعلومات المتداولة من قبل الصحافة خاصة المكتوبة منها، تأثيرا على أسعار أسهم الشركات المقيدة في البورصة، لاسيما البورصات العالمية الكبرى، فهل الأمر كذلك بالنسبة لبورصة الجزائر؟ الإجابة عن هذا السؤال اقتضت منا إجراء بحث ميداني، نحاول حوصلته كالآتي:

1.2.3. مجتمع البحث وعينته

     اختيرت معلومات هذا العنصر من دراسة موسعة سابقة حول: كفاءة بورصة الجزائر خلال الفترة (1999- 2003)، وذلك بأخذ ثلاث عينات من الإعلانات التي نشرت في الصحف الوطنية، تخص كل واحدة منها الشركات التالية: شركة الرياض، مجمع صيدال، فندق الأوراسي، بوصفها أولى الشركات المساهمة في تلك الفترة رغبة في معرفة مدى استجابة شركة أسعار أسهمها لما تنشره الجرائد الوطنية حول نشاط الشركات المصدرة لها.
   ولتحليل هذه التغيرات التي تطرأ على أسعار الأسهم، قمنا باستخدام الأساليب الإحصائية المتنوعة بغية إثراء الدراسة علميا وتوظيف البيانات المهيأة لخدمة أهداف البحث. وفيما يلي أهم الأساليب الإحصائية المستخدمة:
-        مقاييس النزعة المركزية(المتوسط الحسابي: ، المنوال: Mo)
-         وكذلك بعض مقاييس التشتت (الانحراف المعياري: ، الانحراف المعياري النسبي: % ).

2.2.3. أثر الإعلانات المنشورة على كفاءة بورصة الجزائر

     في هذا الجزء من دراستنا، قمنا بتدعيمها عن طريق حساب مختلف المؤشرات الإحصائية قبل وبعد كل إعلان لمعرفة مدى تأثير المعلومة على أسعار الأسهم، آخذين في ذلك عدد المشاهدات لشهر قبل صدور الإعلان وشهر بعد صدوره. وقد قمنا بترتيب الإعلانات السارة وغير السارة حسب التسلسل الزمني لتاريخ النشر، حتى نتمكن من متابعة تغير أسعار الأسهم الثلاث تبعا لتغير المعلومات السارة وغير السارة، فكانت النتائج كما يلي:

أولا: التحليل على مستوى الإعلان

  من خلال الدراسة الإحصائية التي أجريناها على أسعار الشركات المدرجة في بورصة الجزائر، توصلنا إلى النتائج التالية:

بالنسبة للإعلانات الخاصة بمجمع "صيدال"

-         لم يكن للإعلان رقم (2) تأثير على سعر سهم الشركة المعنية، حيث كان من المتوقع أن ينخفض متوسط الأسعار بعد صدوره، على عكس الانحراف المعياري الذي أبدى تجاوبا كبيرا بعد صدور الإعلان لينخفض من 157.06 إلى 8.08، مما يؤكد استقرار الأسعار بعد صدور الإعلان، وهذا ما يظهر جليا من خلال الانحراف النسبي، وهذا تناقض، مما يعني أنه لم يكن للمعلومات المنشورة من قبل الصحافة المكتوبة أي أثر على أسعار أسهم "صيدال". ( انظر الجدول رقم: 2).
-         الإعلانات رقم (03 و04)، سجلت تأثيرا ملحوظا على أسعار أسهم "صيدال"، إذ نلمس ارتفاعا في متوسط الأسعار بعد صدور كل من الإعلانين، بالرغم من التذبذب النسبي للأسعار بعد صدورهما.
-         لم تسجل بقية الإعلانات رقم( 01، 05، 06، 07) أي تأثير، نظرا لتسجيل سهم "صيدال" حصص بيضاء في البورصة، أي أن مجمع "صيدال" لم يشهد أي تداول على أسهمه خلال فترة صدور الإعلان (إما قبله أو بعده). (انظر الجدول رقم: 2).
أ‌.        بالنسبة للإعلانات الخاصة بمؤسسة "الأوراسي"
-        لم يحدث الإعلان رقم (01) تأثيرا على أسعار أسهم "الأوراسي"، حيث سجل انخفاض في متوسط الأسعار، صاحبه انخفاض في الانحراف المعياري بعد صدور الإعلان، مما يثبت عدم تأثير أسعار أسهم "الأوراسي" بما هو منشور من معلومات في هذا الإعلان. ( انظر الجدول رقم: 3).
-         الإعلان رقم (02)، تبين أن هناك انخفاضا في متوسط الأسعار بعد صدور الإعلان، كبير في الانحراف النسبي مما يعني عدم استقرار الأسعار.
-         الإعلانات رقم (03 و 05): هي إعلانات سارة، لكنها لم تؤثر في أسعار أسهم "الأوراسي"، إذ نلاحظ انخفاض متوسط الأسعار بعد صدور الإعلانين، في حين عرف الانحراف النسبي ارتفاعا كبيرا نتيجة تذبذب الأسعار في تلك الفترة. (انظر الجدول رقم: 3).
-         الإعلان رقم (04)، أظهر هذا الإعلان تأثيرا إيجابيا للمعلومات المنشورة فيه على أعلى الأسهم، فقد ارتفع متوسط الأسعار من 80.62 إلى 105.62، تبعه ارتفاع في الانحراف المعياري والانحراف النسبي.
ب‌.    بالنسبة للإعلانات الخاصة بمؤسسة " الرياض- سطيف"
     - لم تسجل الإعلانات رقم (01، 02، 11، 12)، أي تأثير على أسعار أسهم المؤسسة، بالرغم من أنها تحمل معلومات سارة، اتضح أن هناك انخفاض في كل من متوسط الأسعار والانحراف المعياري، على عكس الانحراف النسبي الذي أظهر استقرارا في الأسعار بعد صدور كل إعلان، إن هذا التناقض مؤداه عدم انعكاس المعلومات التي تتضمنها الإعلانات المذكورة أعلاه في الأسعار. (انظر الجدول رقم: 4).
     - الإعلانات رقم (03، 04، 05، 06، 13، 14، 15): لم تشهد المؤسسة المعنية تداولا نشيطا على أسهمها، وبذلك سجلت استقرارا في الأسعار، وبالتالي لم يكن هناك أي تأثير لتلك الإعلانات على أسعار الأسهم في تلك الفترة.
     - الإعلانات رقم (08، 09 ، 10): تعبر عن إعلانات غير سارة، وقد كان لها تأثير على أسعار أسهم  المؤسسة، هذا ما يبدو جليا من خلال انخفاض متوسط الأسعار بعد صدور الإعلانات، إلا أنه لوحظ تذبذب في الأسعار بعد صدور هذه الأخيرة، كما يمثله الانحراف النسبي. ( انظر الجدول رقم: 4).
     - الإعلان رقم (07): ارتفع متوسط الأسعار بعد صدور هذا الإعلان السار، مما يدل على أن سعر السهم تأثر بالمعلومات المنشورة في الجرائد الوطنية.

ثانيا: التحليل حسب طبيعة الإعلان

من خلال ملاحظتنا للإعلانات السابقة، يمكننا تدعيم هذا الجزء بحساب نسبة تأثر أسعار أسهم كل شركة بالمعلومات المنشورة، بغرض معرفة الإعلانات الأكثر تأثيرا على الأسعار، فيما إذا كانت الإعلانات السارة أو الإعلانات غير السارة. 
نسبة تأثر أسعار الأسهم بالمعلومات المنشورة =                     
عدد الإعلانات (السارة أو غير السارة) المؤثرة
مجمل الإعلانات
 100×
                                                                                                                                                                                                                     
  وبهذا نخلص إلى ما يلي:
أ‌.        بالنسبة للإعلانات الخاصة بمجمع "صيدال"
-        الإعلانات السارة: هناك إعلانان فقط من بين خمسة إعلانات سارة، لها تأثير كبير على أسعار أسهم المجمع، وهما الإعلانان رقم (03، 04)، أما الإعلانات المتبقية رقم (05، 06 ،07) فلم يكن لها تأثير، مما يوحي بعدم انعكاس المعلومات على أسعار أسهم "صيدال"، وعليه كانت نسبة تأثر أسعار أسهم المجمع بالمعلومات المنشورة كما يلي:
نسبة التأثر = 2/7 × 100= 28.56 %
-        الإعلانات غير السارة: لم يسجل الإعلانان رقم (01، 02) أي تأثير يذكر على أسعار أسهم "صيدال"، أي أن المعلومات المنشورة لم تنعكس على الأسعار.
ب‌.    بالنسبة للإعلانات الخاصة بمؤسسة "الأوراسي"
-        الإعلانات السارة: من بين أربعة إعلانات، هناك إعلان فقط له تأثير على أسعار "الأوراسي"، هو الإعلان رقم (04)، أما باقي الإعلانات رقم (01، 03، 05)، فقد كان لها تأثير سلبي، وبالتالي كانت نسبة التأثر كما يلي:
نسبة التأثر= 1/5 × 100 = 20 %
-        الإعلانات السارة: يوجد إعلان فقط، هو رقم (02)، الذي كان له أثر إيجابي على أسعار الأسهم، مما يعني انعكاس المعلومات في الأسعار، وعليه فإن نسبة التأثر كانت 20 %.
ت‌.    بالنسبة للإعلانات بمؤسسة "الرياض- سطيف"
-        الإعلانات السارة: هناك ثمانية إعلانات، ومن بينها إعلان فقط كان له تأثير على أسعار أسهم المؤسسة، وهو الإعلان رقم (07)، في حين لم يكن للبقية أي تأثير وهي الإعلانات رقم (01 ،02، 03، 06، 11، 12، 14)، لاسيما الإعلانات رقم ( 03 ،06)، التي شهدت استقرار في أسعار أسهم المؤسسة في تلك الفترة، وبذلك كانت نسبة التأثر كما يلي:
نسبة التأثر= 1/15 × 100= 6.66 %
الإعلانات غير السارة: وعددها 7 إعلانات، منها أربعة إعلانات لها تأثر على أسعار أسهم " الرياض- سطيف"، وهي الإعلانات رقم (05، 08، 09، 10) ، بينما لم تبد الإعلانات رقم (04، 13، 15) أي تأثير.
نسبة التأثر= 4/15× 100= 26.66 %

ثالثا: تحليل النتائج

          من خلال تحليلنا لتأثير المعلومات المنشورة في الصحف الوطنية على أسعار أسهم الشركات المدرجة في بورصة الجزائر، اتضح أن أسعار أسهم كل الشركات في انخفاض دائم، مما يعني أن تأثير الصحافة المكتوبة كان سلبيا بالنسبة للأسعار، ويمكن إرجاع ذلك إلى انخفاض التداول على أسهم كل شركة.  كما أن تأثر الأسعار ببعض الإعلانات (سواء السارة أو غير السارة)، قد يرجع إما للمعلومات الواردة فيها أو لأسباب أخرى، بما يوحي بأن بورصة الجزائر لم تصل إلى مستوى يجعلها حساسة لمثل تلك الإعلانات، والدليل على ذلك استقرار الأسعار في مستوى معين لفترة معينة وعدم التأثر بتلك الإعلانات. بعبارة واحدة اتصفت بورصة الجزائر، إلى حد كبير بعدم الكفاءة خلال الفترة المدروسة.خلاصة ما سبق أنه من الصعوبة بمكان أن تحقق البورصة الأهداف المنوطة بها في ظل تدني المستوى المعيشي للأفراد، وفي ظل اقتصاد مكبل بالإجراءات البيروقراطية وغياب الإرادة الجادة للتغيير، وفي ظل هذا الواقع المزري برزت بورصة الجزائر إلى الوجود عليلة، اقتصر التعامل فيها على أسهم ثلاث شركات عمومية، وبالرغم من دخول العديد من الشركات فيها منذ 2006 إلا أن التعامل بقي محتشما، ذلك أن أغلبية هذه الشركات طرحت سندات للتعامل، هذا ما يتنافى مع مبدأ الخوصصة وسياسة اقتصاد السوق، أي تحرير المعاملات في المشاريع الإنتاجية والخدمية، على عكس ما هو معمول به في مختلف البورصات العربية والعالمية حيث يتم التعامل بالأسهم في الأسواق المنظمة والسندات في الأسواق غير المنظمة.
3.3. الإصلاحات الاقتصادية في الجزائر والحوكمة
لم تتمكن بورصة الجزائر من أن تلعب دورها كوسيط مالي نظرا لعدة أسباب، بعضها ثقافي واقتصادي وحتى سياسي، لاسيما وأن الانطلاقة كانت متواضعة وتفتقد إلى الجدية بالنظر إلى الإمكانات التي يتوفر عليها الاقتصاد الجزائري، لوتم تهيئة المناخ الملائم لذلك.
وحتى تكون الشركات الجزائرية قادرة على أداء دورها في البورصة، فلابد أن تستوفي الشروط التالية:
§        نشر حساباتها المالية خلال فترات يحددها القانون.
§        تحديد رأس مال الشركة بمبلغ يعكس ثقلها في السوق وتأثيرها في الاقتصاد الوطني.
§        التأكد من استقرار وضعها المالي.
§        تشجيع المستثمرين من كل الفئات الاجتماعية على الاكتتاب العام في رأس مالها.
  ومن جهة أخرى، فإن الجهاز المصرفي يمثل الركيزة الأساسية لاقتصاد أي بلد، مما يتطلب تحريره من القيود المفروضة عليه، وفي هذا السياق هناك بعض المتطلبات الواجب استيفاؤها، وهي:
-        إصلاح البنوك القائمة بحيث يتم تفادي التداخل في الصلاحيات.
-        استحداث صناديق لحماية المستثمرين لاستبعاد المخاطر وإعطاء المزيد من الثقة للمستثمرين.
-        تشجيع إنشاء شركات مالية يفتح رأسمالها للخواص.
-        استحداث بنوك استثمار تتولى مهمة إصدار الأوراق المالية وتوزيعها وتقديم استشارات في مجالات استثمارية لترسيخ هذه الثقافة في المجتمع.
  ومع أن الجزائر تبنت سياسة اقتصاد السوق واعتمدت برامج التصحيح الهيكلي (في فيفري 1989)، والتي ساهمت في إحداث التوازنات الكبرى، لاسيما في ميزان المدفوعات وتحقيق الاستقرار النقدي، فإن ذلك لم يكن كافيا لتوفير مناخ ملائم لنمو المدخرات واستقطاب رؤوس الأموال.
          ويمكن تحديد أسباب ضعف تطوير بورصة الجزائر فيما يلي:
·        ضعف البنية الاقتصادية من حيث الإنتاج والنوعية والمنافسة.
·        عدم ملاءمة التشريعات القانونية السارية المفعول سواء بالنسبة للمؤسسات الإنتاجية أو المصرفية.
·        طول الإجراءات البيروقراطية وتعقيداتها تؤدي حتما إلى إحجام المستثمرين عن إقامة مشاريع استثمارية، أو حتى الاستثمار في الأوراق المالية المعروضة للتداول.
·        قلة المؤسسات المقيدة في البورصة والمهمين عليها من طرف القطاع العام.
·        تقاعس متخذي القرار في الدولة بشأن الإسراع في إتمام برنامج خوصصة المؤسسات العمومية.
          ولقد تم الشروع في الإصلاحات الاقتصادية في الجزائر للنهوض بقطاع الاستثمار، دون إدراك لمضامين الحوكمة، إلا أن دعم هذه الإصلاحات من قبل الهيئات الدولية كصندوق النقد الدولي (FMI) والبنك العالمي (BM)، جعل مبادئ الحوكمة تكون ضمن الحزمات المقدمة للسلطات العمومية، خاصة وأنه تمت ملاحظة بعض المؤشرات السلبية في أداء الاقتصاد الجزائري، كتصنيفها في مراتب متقدمة ضمن مؤشرات الفساد وضعف جاذبية المناخ الاستثماري، كما يوضحه الجدول التالي:

الجدول رقم (1): تطور مؤشر الفساد في الجزائر للفترة (2003 - 2007)

السنة
2003
2004
2005
2006
2007
المؤشر
الرتبة
النقطة
الرتبة
النقطة
الرتبة
النقطة
الرتبة
النقطة
الرتبة
النقطة
88
2.6
97
2.7
97
2.8
84
3.1
99
3
المصدر: منظمة الشفافية الدولية، عن موقع: www.transparency.org

وجدير بالإشارة أيضا،  أن الجزائر احتلت المرتبة 134 (أي الأخيرة) في فعالية الجهاز المصرفي، وكذا احتلت المرتبة 132 من مجموع 134 دولة في تطوير السوق المالية، وهذا حسب آخر تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي لسنة 2008/2009.(56)
4.3. انضمام الجزائر إلى ركب حوكمة الشركات
لم تكن قضية الحوكمة بشكل عام مطروحة للنقاش في الجزائر، إلا أنه بعد إلحاح المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، بات من الضرورة بمكان تبني مبادئ الحوكمة سواء على المستوى الكلي في إدارة الاقتصاد أو على المستوى الجزئي في إدارة المؤسسات. هذا ما دفع بالدولة إلى تكوين لجنة سميت لجنة الحكم الراشد، وإن كان تأسيس هذه اللجنة موجها بشكل خاص لإرضاء أطراف خارجية.
ويمكن أن نستنتج بعض المؤشرات الدالة بإدخال مبادئ الحوكمة في إدارة المؤسسات الجزائرية، والتي يمكن رصدها من خلال ما يلي:(57)
·        سعي الجزائر إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي والانتقال إلى اقتصاد السوق، جعلها تخضع لالتزامات الانضمام للمنظمات الدولية والتجمعات الإقليمية التي تقوم على الشفافية وتعزيز التنافسية وزيادة تحرير الاقتصاد، من خلال تقليص حجم الدولة والشروع في خوصصة القطاع العام وإزالة القيود أمام تكوين مؤسسات القطاع الخاص.
·        مراجعة المنظومة المصرفية وإصلاحها من جهة، وإنشاء سوق مالية تمكن من طرح بدائل تمويلية مباشرة وتبسيط النظام الضريبي والتحكم في مؤشرات الاقتصاد الكلي من جهة أخرى.
·        اعتماد نظام محاسبي ومالي جديد وفقا للمعايير المحاسبية الدولية، والانطلاق في تطبيقه على كافة المؤسسات والقطاعات منذ 2010. إلا أن تطبيق هذا النظام يبقى محدود الفعالية في ظل وجود قطاع مواز ضخم يتجاوز 13 %    من الناتج المحلي الخام.
   وفي إطار تعزيز الشفافية تم إلزام الشركات ذات المسؤولية المحدودة (وهي النوع الغالب في الجزائر)، على اعتماد مراجع حسابات خارجي يعمل وفق مدونة للسلوك والأخلاقيات، بعدما كان هذا الإلزام خاصا بشركات المساهمة فقط.
كما يقضي القانون بنشر النتائج المحاسبية إجباريا، إلا أن المعلومات المتاحة للجمهور عمليا هي تلك المعلومات المنشورة في محاضر الجمعيات العمومية للمؤسسات، ولا تمثل هذه المعلومات إلا جزءا ضئيلا مما يجري في الواقع، وهذا من شأنه أن يفاقم من عدم تماثل المعلومات بين المساهمين وباقي أصحاب المصالح في المؤسسات.
·        مراجعة القانون التجاري بشكل يوضح كيفية إسناد وتوزيع المسؤوليات داخل المؤسسات: عادة ما تقع إدارة مجموعة من المؤسسات على عاتق رئيس مدير عام، ما يجعل هذا الأسلوب قليل الفعالية فيما يتعلق بالمراقبة والمساءلة، لأن النصوص القانونية تقضي بأن يراقب مجلس الإدارة المدير العام.
صحيح أن عملية الإصلاح الاقتصادي مرت بعدة مراحل، وهي ليست مجرد إجراءات فقط، وإنما هي عبارة عن منظومة من التغيرات الذهنية والسلوكية، هذا ما يتطلب إيجاد طبقة جديدة من المسيرين تتحلى بالمبادرة والمخاطرة والتأهيل الكافي لنجاح أي إصلاح.
1.4. معوقات تطبيق الحوكمة في الجزائر
لاشك في أن الحوكمة في الجزائر تعتبر من بين الرهانات الكبرى التي يجب عليها أن تسعى إلى تحقيقها، إلا أن هذا ليس بالأمر الهين نظرا للمشاكل التي تعاني منها والتي تحول دون تحقيق سير آليات الحوكمة فيها، وبالتالي الوصول إلى التنمية. ولعل أهم الأسباب التي كانت بمثابة حجر العثرة أمام الجزائر نذكر ما يلي:(58)
ü         انتشار الفساد المالي والإداري، وهذا ما توضحه التقارير التي تصدرها الهيئات الرسمية الدولية. ففي تقرير أصدرته المنظمة الدولية للشفافية عن الفساد في العالم، يشير فيما يتعلق بالجزائر إلى أنها احتلت المرتبة 97 عالميا في انتشار ظاهرة الفساد وذلك حسب إحصائيات سنتي 2004 و2005 أي بمعدل شفافية لا يتجاوز 2.5 %، أما في سنة 2007 فقد احتلت المرتبة 99 عالميا، هذا ما يدل على أن الجزائر لم تقم بأي إجراءات لمحاربة هذه الظاهرة أما بالنسبة للفساد في المؤسسات الوطنية، حتى 75 % من المؤسسات التي شملها استطلاع المنظمة الدولية للشفافية، نجد 6 %  من رقم أعمال هذه المؤسسات يوجه للعمولات والرشاوى.
ü        انعدام الشفافية وغياب المساءلة.
ü         الاقتصاد الجزائري يفتقر إلى سوق مالي بالمفهوم المتعارف عليه، مما عرقل المضي في تجسيد الخوصصة وكذا في تطوير النظام المصرفي بالشكل المطلوب.
ü        نقص المعلومات الكافية والضرورية، مما قد يعطي صورة غير صادقة عن الشركات.
2.4.3. الاقتراحات المساعدة لتطبيق حوكمة الشركات في الجزائر
تعتمد الحوكمة على صياغة القرارات وإيجاد أنظمة توافق سير الأعمال الناجمة للشركات، وذلك من خلال تدعيم القطاعين العام والخاص، بغية الوصول إلى مرحلة تدفع بالحوكمة لصياغة قوانين تتماشى ومتطلبات سير الأعمال في الشركات.
ومن أجل الوصول إلى ترسيخ مفهوم حوكمة الشركات في المؤسسات الجزائرية يجب:
*        مواجهة مظاهر الفساد بمختلف أشكاله.
*        نشر ثقافة النزاهة وتوعية المجتمع والشركات بضرورة الالتزام بمبادئ حوكمة الشركات، من خلال تأسيس هيئات خاصة وجمعيات تعمل على تنظيم ندوات ومؤتمرات من أجل نشر الوعي بأهمية الحوكمة.
*        الاستفادة من خبرة البلدان الرائدة في هذا المجال.
*     تفعيل الأدوات الرقابية المختلفة.
*     تفعيل وسائل الإعلام في إطار حوكمة الشركات خاصة في مجال تنشيط الأوراق المالية.
*     تأسيس نظام حوكمة الشركات يكون قائما على أساس القواعد لا على أساس العلاقات.
*     التأكيد على ضرورة الالتزام بأخلاقيات العمل في الشركات.

الخاتمة:

تعتبر حوكمة الشركات إحدى المتطلبات الجديدة للنهوض بالاقتصاد، من خلال الانعكاس الإيجابي لتطبيق مبادئها القائمة على الإفصاح والشفافية، من قبل الشركات المدرجة في أسواق المال، خاصة وأن هذه الأخيرة تعد مصدرا هاما للتمويل وتقديم المعلومات المتعلقة بتلك الشركات.
وقد تبين الآن أكثر من أي وقت مضى، أن تبني نظام شفاف وعادل يؤدي إلى خلق ضمانات ضد الفساد وسوء الإدارة، والحد من أساليب التضليل، سواء عن طريق الالتزام بمبدأ حماية حقوق المساهمين الذي يضمن تشجيعهم على الاستثمار في الأوراق المالية دون تخوف، أو من خلال مبدأ الإفصاح عن المعلومات المحاسبية الذي يعتبر عاملا مهما في تخفيض تكلفة رأسمال الشركة وضمان استمراريتها، بما يضمن تنشيط السوق من جهة، والوصول إلى السعر الحقيقي للأسهم من جهة أخرى، ومن ثم رفع كفاءة السوق المالي. أي أن الطريق الجيد والصحيح لحوكمة الشركات سيكون المدخل الفعال لتعزيز الإفصاح والشفافية، مما ينعكس بالإيجاب على كفاءة السوق المالي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

كتاب مباديء المحاسبة المالية 2024

للتحميل