النظرية المحاسبية
الفصل الأول
التأصيل العلمي للمحاسبة والجوانب النظرية والتطبيقية للفكر المحاسبي
يثور العديد من التساؤلات حول حركة التأصيل العلمي للمحاسبة ومدى الحاجة إليها ومنها:-v "ما هو طبيعة مهنة المحاسبة والمراجعة؟" .v "هل يجب أن تعتمد على أصول علمية تحكم وتوجه مسارها التطبيقي؟ "v " هل هناك قصور في الإطار الفكري المحاسبي " . v " ما هو مفهوم النظرية وما هي عناصرها وما هو الدور المتوقع أن تقوم به في مجال المحاسبة ؟ " .v "ما هو السبيل لبناء نظرية محاسبية تحقق أهداف التطوير المرجوة ؟ "
للإجابة على هذه التساؤلات يتطلب التعرض للتطور التاريخي في المجالات المختلفة للجانب الفكري والتطبيقي للمحاسبة ، ثم التعرض لكل من طرق ومناهج البحث العلمي لمعرفة كيفية بناء النظرية ، ثم التعرف على نظم القياس المختلفة التي يمكن الاستعانة بها لإخضاع الظواهر والمتغيرات المتعددة للدراسة والبحث.
أولاً : التطور المحاسبي :-
تؤكد الدراسات التي عنيت بالتطور المهني والأكاديمي للمحاسبة على تواجد خاصتين متلازمتين هما الاستمرارية والتغير “Continuity and Change” فالاستمرارية في المحاسبة تعني أن كثيراً من عناصر الفكر والتطبيق قد ثبت فائدتها مما أدى إلى استقرارها واستمراريتها في التطبيق حتى اليوم على الرغم من أنها تعود إلى تاريخ نشأة المحاسبة ، وأصبح بالتالي الخروج عنها أمر يصعب قبوله .
إن خاصية الاستمرارية تتميز بجوانب إيجابية وسلبية ، فالجوانب الإيجابية لهذه الخاصة تتمثل في الحفاظ على تراكم الخبرات وازدياد النمو المعرفي في مجالات المحاسبة وأساليبها وفنياتها التطبيقية.
أما الجوانب السلبية لها فتتمثل في ما قد تترتب عليه من جمود الفكر والتطبيق المحاسبي، خاصة إذا كانت هناك مبادئ وقواعد محاسبية متعارف عليها ولا زالت مطبقة على الرغم من انتفاء المبررات المنطقية التي تستند إليها .
وفيما يتعلق بخاصية التغيير ، فهي تجسيد لديناميكية المحاسبة والقدرة على مواكبة التطور الذي تشهده بيئة الأعمال الاقتصادية والاجتماعية إلا أن التغيير يتميز بالبطيء الشديد والمتحفظ لأن التغيير في المحاسبة لا يتم إلا بعد التأكد من ضرورته وجدواه بشكل قاطع ، فليس غريباً أن يستغرق استيعاب ظاهرة معينة كظاهرة التضخم عقدين من الزمن على الرغم مما تفرضه التطورات الجذرية في المناخ الاقتصادي والاجتماعي الذي تعمل فيه المحاسبة من ضرورات التغيير ، وفعلاً نجد أن كثيراً من الأفكار والأساليب المحاسبية المتداولة حالياً لم تكن معروفة لدى المجتمع من قبل ، وهو ما يفسر لنا التطورات التي يتوقع حدوثها على النموذج المحاسبي في المستقبل .
بعض ملامح التطـور التاريخي للمحاسبة :-
·إصدار المعهد الأمريكي للمحاسبين القانونيين (AICPA)
“American Institute of Certified Public Accountants” عام 1941 تعريفاً للمحاسبة على " أنها فن تسجيل وتبويب وتلخيص العمليات والأحداث المالية وتفسير نتائجها " ويلاحظ على هذا التعريف أنه يشير إلى المحاسبة كفن أو حرفة وليس حقلاً من حقول المعرفة .
·إصدارات جمعية المحاسبة الأمريكية (AAA)
“American Accounting Association” تعريفاً حديثاً نسبياً للمحاسبة " على أنها عملية تحديد وقياس وتوصيل المعلومات الاقتصادية بغرض تمكين مستخدمي هذه المعلومات من تكوين رأي مستنير واتخاذ القرارات اللازمة .
ويلاحظ على هذا التعريف أنه قد أضاف إلى التعريف السابق الأهداف التي ترمي القوائم المالية إلى تحقيقها ، أي أنه يركز على طبيعة المعلومات المحاسبية والآثار السلوكية الناتجة عنها ، مما يعني الاهتمام بالمحاسبة كنشاط خدمي وكنشاط للمعلومات وكأداة للاتصال.
·وفي عام 1975م قدمت الجمعية المذكورة تعريفاً للمحاسبة تم فيه إعادة تحديد الهدف على أنه توفير المعلومات التي يمكن أن تكون ذات فائدة في اتخاذ القرارات الاقتصادية .
مما سبق يتبين أن هناك إعادة تقييم للأهداف والمفاهيم والمبادئ التي تكون الإطار الفكري المحاسبي ، حيث تحولت المحاسبة من مجرد الاهتمام بالنواحي الحرفية المتمثلة في فن مسك الدفاتر وتنظيم الحسابات إلى كونها نظام للمعلومات وأداة اتصال مما يشير إلى الوظيفة الاجتماعية للمحاسبة .
·بناء على ما سبق يمكن تقسم التطور المحاسبي فنياً إلى أربعة مراحل هي :-
المرحلـة الأولى :- مرحلة البدء في تكوين الإطار الفني للمحاسبة .
المرحلـة الثانية :- مرحلة الاهتمام المهني والأكاديمي في المحاسبة .
المرحلـة الثالثة :- مرحلة الاهتمام بالمحاسبة كنظام للمعلومات .
المرحلـة الرابعة :- مرحلة الاهتمام بالمحاسبة عن المسؤولية الاجتماعيـة .
المرحلـة الأولى :- تكوين الجانب الفني في المحاسبة :-
تتميز هذه المرحلـة بتكوين الجوانب الفنية للمحاسبة وكان أبرزها التطور في نظام القيد المحاسبي (نظام القيد المزدوج) بغرض تحقيق أهداف ضبط ودقة وانتظام التسجيل الدفتري والوصول إلى استخراج قائمتين مترابطتين هما قائمة الدخل وقائمة المركز المالي وهما قائمتان تعتمدان على خاصية التوازن الحسابي كنتيجة طبيعية لتطبيق نظام القيد المزدوج .
وطبقاً لاستخدام نظام القيد المزدوج أصبح لدى المحاسبين ما يمكن تسميته بنظرية أو منهج (تشخيص الحسابات) أي ما يسمح بتبويب الحسابات إلى حسابات شخصية وحسابات حقيقية .
+
- ثم تطور مفهوم استخدام هذا القيد تمشياً مع احتياجات صاحب المال (المشروع) بحيث أصبح عرض الحسابات وتبويبها ينسجم مع وجهة نظر صاحب المشروع أوما عرف بنظرية (أصحاب المشروع) وهو يركز على المركز المالي لأصحاب المشروع دون الاهتمام بقائمة الدخل ، ويقوم على معادلتين رئيسيتين :-
1. الأرصدة أول المدة التدفقات النقدية خلال المدة = الأرصدة في نهاية المدة
2. حقوق الملكية (رأس المال) = الأصول – الخصوم
ونتيجة لتطور رغبات أصحاب المشروع في تحديد مدى نجاح مشروعاتهم وتقديم التفسيرات للأحداث والعمليات وأثرها على الوحدة المحاسبية ، فقد أصبح لزاماً الانتقال من نظرية تشخيص الحسابات إلى (نظرية المعاملات) حيث تم إضافة الحسابات الاسمية ، وما يتطلبه ذلك من تطبيق مبدأ الاستحقاق في إثبات المعاملات (أي مجرد تحققها وليس بالضرورة عند تحصيلها أو دفعها) وهو ما ألقى عبئاً إضافياً على المنهج المحاسبي .
وبإضافة الحسابات الاسمية أصبحت معادلة الميزانية على النحو التالي :-
الأصول + المصروفات = الخصوم + الإيرادات + رأس المال
المرحلـة الثانية :- التطوير المهني والأكاديمي :-
يلاحظ أن المرحلة السابقة قد تميزت بتطوير فنون التطبيق العملي للمحاسبة وأنها أداة رقابة داخلية على الممتلكات ، تحقق رغبات أصحاب المشروع ، إلا أنه نتيجة بعض العوامل والتحولات ، بدأ الاهتمام منذ بداية القرن التاسع عشر نحو تطوير المحاسبة مهنياً وأكاديمياً بسبب عدة عوامل أهمها :-
·ظهور الثورة الصناعية ، وما تطلبه ذلك من كبر وإتساع مجال عمل الشركات والحاجة إلى التمويل مما استدعى تطوير المبادئ والقواعد المحاسبية لتلبي حاجات الدائنين وضمان المحافظة على رأس المال ، وعدم إجراء توزيعات منه .
·ظهور الشركات المساهمة ، وما تطلبه ذلك من ضرورة تجميع رؤوس الأموال وضمان استمرارية عمل الشركات من ناحية ، والتحول نحو فصل الملكية عن الإدارة ، الأمر الذي أدى إلى بروز مفهوم أو فرض الاستمرارية وفرض الشخصية المعنوية المستقلة ، وقد كان لهذه الخاصية الأخيرة أثر كبير على المحاسبة ، حيث ظهر أهمية الدور المحاسبي في تقييم الإدارة ونتائج أعمالها من خلال إعداد قائمة الدخل والتي أصبحت تأخذ الأهمية بدلاً من قائمة المركز المالي ، مع البدء في استخدام مبدأ مقابلة الإيرادات بالمصروفات . كما كان لانتشار تلك الشركات أثر كبيراً في تدخل الدولة لضمان حد أدنى من الإفصاح للأطراف الخارجية ، وما يتطلبه ذلك من ضرورة مراجعة القوائم المالية من مثل مراجع خارجي مستقل ، وفعلاً بدأ ظهور الجمعيات المهنية وكان أولها جمعية المحاسبين في اسكتلندا عام 1854 ، ثم مجمع المحاسبين والمراجعين بإنجلترا وويلز عام 1880 ، ثم جمعية المحاسبين الأمريكيين عام 1887 .
·فرض ضرائب الدخل على الأفراد والشركات ، وما تطلبه ذلك من اتساع الطلب على خدمات المحاسبين باعتباره المحتكر لوظيفة إنتاج المعلومات المالية سواء داخل المنشأة أم خارجها .
·ظهور شركات المنافع العامة ، كشركات الكهرباء ، والهاتف ، والنقل مما أدى إلى ظهور مفاهيم الاستهلاك للأصول الثابتة التي تملكها تلك الشركات وظهور مشاكل الشهرة وتصنيف حقوق الأقلية في تلك الشركات بعد عمليات الدمج التي تعرضت لها .
وبناءً على هذه المرحلة يلاحظ أن التطور قد أصبح واضحاً في المجال المهني ، وأهمية تأسيسها على مجموعة من القيم المقبولة اجتماعياً مثل الحياد وعدم التحيز ، الصدق في التعبير ، الموضوعية في القياس ، عدالة القوائم المالية ، الإفصاح الكافي وهو ما يعرف بالمدخل الأخلاقي للمهنة والخطوة الهامة في بناء نظرية المحاسبة وبصفة خاصة في تحديد المبادئ والقواعد المحاسبية اللازمة لتحقيقها .
أما في المجال الأكاديمي فقد أصبح لزاماً على المحاسبين صياغة مفاهيم وأفكار وتنظيم إطار فكري مترابط يجمع بينهما ، ومن هنا بدأ الاهتمام بتطوير نموذج محاسبي مناسب للوحدة الاقتصاديـة .
المرحلة الثالثة :- ظهور المحاسبة الإدارية :-
ظهرت المحاسبة الإدارية وتم استخدامها كنظام للمعلومات ، وقد كان هذا التطور إستجابة طبيعية لانتشار الفكر الخاص بمدرسة الإدارة العلمية التي تنادي بشعار "ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته " “What cannot b measured, Cannot be managed”
لقد اخذ التطور نحو المحاسبة الإدارية في بادئ الأمر في شكل تحليلات لنتائج المحاسبة المالية ، إلا أن التطور التقني واستخدام الحاسوب أتاح للمحاسب المجال لتطوير مخرجات المحاسبة المالية والتركيز نحو نظام المعلومات واستخدامها في مجالات التخطيط والرقابة وبصفة خاصة في مجال ترشيد القرارات ، ومع استمرار تطور المحاسبة الإدارية والاستعانة بها في مجال الإحصاء وبحوث العمليات ، أدى إلى تطوير البيانات المالية المحاسبية وإعداد الموازنات التخطيطية وقياس التكاليف .
استمرت مسيرة تطوير الدور المحاسبي صوب الاهتمامات الإدارية عن طريق الاستعانة بفروع المعرفة الأخرى ، مما أثر على اتجاهات المحاسبة المالية ووظيفة إنتاج المعلومات وأصبحت نظاماً للمعلومات يبدأ طرفه الأول بالبيئة المحيطة (المدخلات) ، حيث يتم التعامل مع ظواهر اقتصادية واجتماعية متنوعة ومتشابكة (أحداث محاسبية) ، أما الطرف الأخر (المخرجات) فهو أيضاً بالغ الخطورة بالنسبة للنظام المحاسبي حيث تتعدد اتجاهات المعلومات المطلوبة وما يترتب عليه من تعدد الأهداف التي يجب أن تقدمها القوائم المالية.
إن النظر إلى نظام المحاسبة المالية على أنه نظام للمعلومات يبرز الحاجة إلى أهمية التأصيل العلمي إلى ثلاثة مجالات رئيسية :-
المجال الأول :- يتعلق بمدخلات النظام المحاسبي ، وهذا الجانب يتطلب تحديد المبادئ العلمية التي تحكم الأحداث والمعاملات التي يجب معالجتها محاسبياً .
المجال الثاني :- يتعلق بعملية تشغيل البيانات ، وهو يتطلب تحديد المناهج والمبادئ العلمية اللازمة لتحويل البيانات إلى معلومات .
المجال الثالث :- يتعلق بمستخدمي المعلومات (المخرجات) ، وهو يتطلب دراسات سلوكية مكثفة لاحتياجات مستخدمي هذه المعلومات ، ووضع تصور فكري للأهداف التي يجب أن يخدمها النظام .
المرحلـة الرابعـة :- المحاسبة عن المسئولية الاجتماعية :-
وتعتبر المحاسبة عن المسئولية الاجتماعية أحدث مراحل التطور المحاسبي ، فمن المعروف أن نتائج عمال الوحدة المحاسبية يؤثر في مصالح فئات عديدة أهمها المستثمرين الحالين والمرتقبين ، الإدارة ، المقترضين الحاليين والمرتقبين ، الجهات الحكومية ، العاملين في الوحدة المحاسبية ، العملاء ، الموردين ، ونظراً لاحتمال تعارض مصالح هذه الفئات ، فإن الاتجاه هو ضرورة التزام المحاسب بوجهة النظر الاجتماعية أي أن تنحو التقارير منهجاً شمولياً ، تغطي احتياجات كافة فئات المجتمع دون تغليب وجهة نظر فئة على أخرى وحتى لا تتأثر عدالة توزيع المنافع من تلك التقارير ويكون الأثر النهائي في صالح المجتمع بكامل فئاته وهو ما يعرف بمدخل الرفاهية الاجتماعية في بناء نظرية المحاسبة .
وهذا المدخل يتطلب نموذجاً محاسبياً مبنياً على أساس من القيم الاجتماعية السائدة في المكان والزمان ، مع التوسع في الإفصاح المحاسبي بغرض تغطية احتياجات كافة الطوائف ، كما يتطلب أيضاً هذا النموذج التوسع في القياس المحاسبي ليشمل الآثار الخارجية لتصرفات الوحدة الاقتصادية والمتمثلة في التكلفة الاجتماعية والعائد الاجتماعي .
ثانياً : النظرية ودورها في مجال المحاسبة :-
نتعرض في هذا المقام إلى أهمية النظرية والحاجة إليها بشكل عام وفي المحاسبة بشكل خاص ، وما هي وظائف النظرية ، وما الدور المتوقع أن تقوم به في مجال المحاسبة ، وأخيراً ما هي عناصر ومكونات النظرية .
من المعلوم أن الإطار الفكري المحاسبي في الوقت الحالي يقوم على مجموعة من الفروض والمفاهيم والمبادئ التي تحكم عمليات القياس والتسجيل والتلخيص والتوصيل ، ومن أمثلة ذلك "مفهوم الوحدة المحاسبية ، فرض وحدة القياس النقدي ، مبدأ الاستمرار ، مبدأ التكلفة ، مفهوم التحقق ، مبدأ الثبات ، سياسة الحيطة والحذر ، قاعدة التكلفة أو السوق أيهما أقل ، أساس الاستحقاق ، الأساس النقدي ، الأهمية النسبية ، مبدأ مقابلة الإيرادات بالمصروفات ، فرض الدورية ، نظام القيد المزدوج ، فرض ثبات القوة الشرائية للنقود ، مبدأ الموضوعية .
ويلاحظ على ما سبق اختلاف المسميات المعطاة لهذه المكونات (فرض ، مبدأ ، مفهوم ، قاعدة ، سياسة ، معيار.. الخ ) ، والحقيقة أنه ليس هناك مسمى واحد متفق عليه بين المحاسبين لأي من الأفكار السابقة ، فمثلاً القيد المزدوج يطلق عليه مبدأ أو نظرية أو طريقة ، كما أن هناك اختلافات تحديد المقصود من بعض المفاهيم ، فمثلاً مفهوم الاستمرارية يعرفه البعض على أن الوحدة المحاسبية سوف تبقى في مزاولة نشاطها إلى ما لا نهاية ، في حين يرى البعض أن المقصود به هو أن حياة المنشأة أطول من حياة أي أصل تمتلكه المنشأة ، وهناك تفسير ثالث وهو استمرار نمط الملكية القائم لرأس المال أو التنظيم الإداري والشكل القانوني للمنشأة .
كما أن هناك اتفاق بين المحاسبين على إعداد تقارير دورية ولكنهم يختلفون حول الفترة المحاسبية ، وكذلك مواعيد التقارير المرحلية ، كذلك هناك من يرى أن الدورية تتطلب الاعتراف بالمقدمات والمستحقات في حين نجد هناك منشآت تعد تقاريرها على الأساس النقدي أو على مزيج من أساس الاستحقاق والأساس النقدي ، كذلك هناك العديد من المفاهيم ضمن الإطار الفكري الحالي للمحاسبة غير محددة المعنى وقد لا تعدو كونها في وضعها الحالي مجرد بديهيات ومن أمثلتها (الأهمية النسبية ، الثبات ، الإفصاح ، تغليب الجوهر على الشكل"
كذلك نلاحظ أن هناك تعارضاً بين سياسة الحيطة والحذر وبين استخدام التكلفة كأساس لتقويم الأصول الثابتة ، فطبقاً لمبدأ الاستمرارية تظهر الأصول الثابتة على أساس التكلفة والتي قد تزيد عن قيمتها البيعية خاصة بالنسبة للأصول المتخصصة ، وهو يتعارض مع مبدأ الحيطة والحذر ، كما أن هناك عدم اتساق منطقي بين فرض ثبات القوة الشرائية للنقود وبين فائدة المعلومات المحاسبية مما يؤدي إلى فقدان الثقة في جدوى وفاعلية القوائم المالية .
ومن ناحية أخرى نجد أن من أخطر الانتقادات التي وجهت للمحاسبة هو عدم توفر معالجات موحدة للكثير من الأحداث المحاسبية المتشابهة ، ومن أمثلة ذلك تعدد المعالجات للمخزون السلعي كسياسة الوارد أولاً صادر أولاً ، الوارد أخيراً صادر أولاً ، المتوسط المرجح .
وفي مجال الإيرادات هل يتبع أساس الإنتاج ، أساس البيع ، أساس التحصيل ، وفي مجال الربح هل يتبع أساس الربح الشامل ، أساس ربح النشاط الجاري ، الربح بعد خصم الضرائب ، والربح بعد خصم الفوائد .
وفي مجال الاهلاكات هناك طرق متعددة كطريقة القسط الثابت ، المتناقص ، مجموع أرقام السنين ، طريقة النفاذ ..الخ
كذلك هناك مجالات متعددة أمام المحاسبة فيما يتعلق بمستوى التجميع أو التفصيل للمعلومات التي يتم الإفصاح عنها في التقارير المالية ، واختلاف طرق التبويب والعرض وتجديد المعلومات التي يجب التقرير عنها في صلب القوائم المالية .
ومن نواحي القصور الأخرى في الإطار الفكري الحالي أنه غير مكتمل بمعنى أنه لا يقدم إجابات قاطعة بالنسبة للكثير من المشكلات التي تواجه المحاسب ، مثلاً لا نجد في الإطار الفكري الحالي إجابات محددة حول بعض التساؤلات :-
·مشكلة التغير في الأسعار .
·قياس العمليات غير الملموسة (الأصول المعنوية)
·قياس التكلفة الاجتماعية والعائد الاجتماعي
وحول ما سبق يلاحظ على الإطار المحاسبي الحالي ما يلي :-
·يفتقر إلى الترابط بين مكوناته وعدم توفر معالجات موحدة لكثير من الأحداث المحاسبية المتشابهة .
·تباين الممارسات المحاسبية بالنسبة للطرق التي يستخدمها المحاسب بالإضافة إلى تباين أسس القياس والتقويم .
·لا يوجد أساس علمي يمكن الاعتماد عليه في مجال المفاضلة بين البدائل ، وإن إعداد القوائم المالية يعتمد كثيراً على الاجتهاد الشخصي ، ولعل ذلك من أحد الأسباب التي وجهت للمحاسب بالتقصير أو الوقوع تحت تأثير الإدارة أو تقديم تقارير غير موضوعية .
·إن الهجوم على الإطار الفكري الحالي قد أثير من داخل المهنة نفسها بنفس الدرجة التي أثير بها من المجتمع المالي بصفة عامة .
أمام كل ما سبق تظهر الحاجة إلى وجود نظرية محاسبية تتمثل في إطار فكري متسق ومتكامل تأخذ في الاعتبار أوجه القصور والانتقادات سالفة الذكر ، والحقيقة أن معظم المفاهيم والإجراءات التي تكون الإطار الفكري الحالي إنما تعكس اهتماماً بالنواحي الفنية والإجرائية الخاصة بالممارسات ، فهي أقرب إلى القواعد العرفية أو التقاليد أو الاصطلاحات منها إلى المبادئ العلمية .
إن مهنة المحاسبة على هذا النحو تعتبر في وضع متدن بالمقارنة بالمهن الأخرى كالطب والهندسة والمحاماة ، فعلى سبيل المثال هناك مبادئ تحكم نشاط الطبيب مستمدة بصورة مستقلة عن الممارسة العملية اعتماداً على فروع معرفة أخرى كالفيزياء ، الإحصاء ، الكيمياء وبناءً عليه فليس هناك أكثر من مسمى واحد لمرض معين ، وإذا ما قارنا ذلك بإمكانية إعداد القوائم المالية المختلفة لنفس المنشأة عن نفس الفترة ، أو إعطاء مسمى الاستهلاك لكافة طرق احتساب الاستهلاك للأصول الثابتة على الفترات المختلفة يتبين أوجه الاختلاف بين ما تتميز به العلوم الأخرى عن علم المحاسبة .
وهكذا يرى البعض أن المحاسبة بوضعها الحالي هي أقرب ما تكون إلى الفن منها إلى العلم وأن خصائص العلم لا يمكن أن تتوفر فيها ، بمعنى أنه ليس من المتوقع أن يكون هناك قوانين محاسبية ثابتة وصحيحة في جميع الظروف والأوقات كما هو الحال في العلوم البحتة أو الطبيعية ، ويبرر أصحاب هذا الرأي وجهة نظرهم بأن المحاسبة تتعامل مع ظواهر اقتصادية واجتماعية هي نتاج السلوك الانساني بخلاف الحال في العلوم الطبيعية التي تتعامل مع ظواهر طبيعية أكثر قابلية للتحديد والقياس والتنبؤ ، وبالتالي فهم يرون بأن هناك حاجة ماسة إلى نظرية المحاسبة يمكن الاعتماد عليها في توجيه الجوانب التطبيقية ، وأن الوضع الحالي للمحاسبة قاصر على مجموعة من القواعد الحكمية والاصطلاحات التي يصعب الدفاع عنها على أساس منطقي .
ومن ناحية أخرى هناك من يرى ان القواعد الاصطلاحية الموجودة لا تعيب المحاسبة، وان هناك حاجة إلى وجودها مع ضرورة وجود تحديد واضح لمجال استخدام كل منها ، فالقواعد العرفية (الاصطلاحية) والمبادئ ضرورية لكل علم ، فهي أداة لتنظيم السلوك في مجال معين حتى لا يترك المجال للاختيار تجنباً للفوضى والارتباك ، ولكن تجدر الإشارة أيضا إلى أن درجة تقدم أي حقل من حقول المعرفة تتناسب عكسيا مع درجة اعتماده على القواعد العرفية، فكلما زادت هذه القواعد العرفية في مهنة معينة، كلما ازداد مجال التدخل من جانب المهمتين بهذه المهنة كالجمعيات المهنية او الجهات الحكومية بفرض تنميط الممارسات العملية وفرض اختيارات محددة يلتزم بها الممارسون.
الفصل الأول
التأصيل العلمي للمحاسبة والجوانب النظرية والتطبيقية للفكر المحاسبي
يثور العديد من التساؤلات حول حركة التأصيل العلمي للمحاسبة ومدى الحاجة إليها ومنها:-v "ما هو طبيعة مهنة المحاسبة والمراجعة؟" .v "هل يجب أن تعتمد على أصول علمية تحكم وتوجه مسارها التطبيقي؟ "v " هل هناك قصور في الإطار الفكري المحاسبي " . v " ما هو مفهوم النظرية وما هي عناصرها وما هو الدور المتوقع أن تقوم به في مجال المحاسبة ؟ " .v "ما هو السبيل لبناء نظرية محاسبية تحقق أهداف التطوير المرجوة ؟ "
للإجابة على هذه التساؤلات يتطلب التعرض للتطور التاريخي في المجالات المختلفة للجانب الفكري والتطبيقي للمحاسبة ، ثم التعرض لكل من طرق ومناهج البحث العلمي لمعرفة كيفية بناء النظرية ، ثم التعرف على نظم القياس المختلفة التي يمكن الاستعانة بها لإخضاع الظواهر والمتغيرات المتعددة للدراسة والبحث.
أولاً : التطور المحاسبي :-
تؤكد الدراسات التي عنيت بالتطور المهني والأكاديمي للمحاسبة على تواجد خاصتين متلازمتين هما الاستمرارية والتغير “Continuity and Change” فالاستمرارية في المحاسبة تعني أن كثيراً من عناصر الفكر والتطبيق قد ثبت فائدتها مما أدى إلى استقرارها واستمراريتها في التطبيق حتى اليوم على الرغم من أنها تعود إلى تاريخ نشأة المحاسبة ، وأصبح بالتالي الخروج عنها أمر يصعب قبوله .
إن خاصية الاستمرارية تتميز بجوانب إيجابية وسلبية ، فالجوانب الإيجابية لهذه الخاصة تتمثل في الحفاظ على تراكم الخبرات وازدياد النمو المعرفي في مجالات المحاسبة وأساليبها وفنياتها التطبيقية.
أما الجوانب السلبية لها فتتمثل في ما قد تترتب عليه من جمود الفكر والتطبيق المحاسبي، خاصة إذا كانت هناك مبادئ وقواعد محاسبية متعارف عليها ولا زالت مطبقة على الرغم من انتفاء المبررات المنطقية التي تستند إليها .
وفيما يتعلق بخاصية التغيير ، فهي تجسيد لديناميكية المحاسبة والقدرة على مواكبة التطور الذي تشهده بيئة الأعمال الاقتصادية والاجتماعية إلا أن التغيير يتميز بالبطيء الشديد والمتحفظ لأن التغيير في المحاسبة لا يتم إلا بعد التأكد من ضرورته وجدواه بشكل قاطع ، فليس غريباً أن يستغرق استيعاب ظاهرة معينة كظاهرة التضخم عقدين من الزمن على الرغم مما تفرضه التطورات الجذرية في المناخ الاقتصادي والاجتماعي الذي تعمل فيه المحاسبة من ضرورات التغيير ، وفعلاً نجد أن كثيراً من الأفكار والأساليب المحاسبية المتداولة حالياً لم تكن معروفة لدى المجتمع من قبل ، وهو ما يفسر لنا التطورات التي يتوقع حدوثها على النموذج المحاسبي في المستقبل .
بعض ملامح التطـور التاريخي للمحاسبة :-
·إصدار المعهد الأمريكي للمحاسبين القانونيين (AICPA)
“American Institute of Certified Public Accountants” عام 1941 تعريفاً للمحاسبة على " أنها فن تسجيل وتبويب وتلخيص العمليات والأحداث المالية وتفسير نتائجها " ويلاحظ على هذا التعريف أنه يشير إلى المحاسبة كفن أو حرفة وليس حقلاً من حقول المعرفة .
·إصدارات جمعية المحاسبة الأمريكية (AAA)
“American Accounting Association” تعريفاً حديثاً نسبياً للمحاسبة " على أنها عملية تحديد وقياس وتوصيل المعلومات الاقتصادية بغرض تمكين مستخدمي هذه المعلومات من تكوين رأي مستنير واتخاذ القرارات اللازمة .
ويلاحظ على هذا التعريف أنه قد أضاف إلى التعريف السابق الأهداف التي ترمي القوائم المالية إلى تحقيقها ، أي أنه يركز على طبيعة المعلومات المحاسبية والآثار السلوكية الناتجة عنها ، مما يعني الاهتمام بالمحاسبة كنشاط خدمي وكنشاط للمعلومات وكأداة للاتصال.
·وفي عام 1975م قدمت الجمعية المذكورة تعريفاً للمحاسبة تم فيه إعادة تحديد الهدف على أنه توفير المعلومات التي يمكن أن تكون ذات فائدة في اتخاذ القرارات الاقتصادية .
مما سبق يتبين أن هناك إعادة تقييم للأهداف والمفاهيم والمبادئ التي تكون الإطار الفكري المحاسبي ، حيث تحولت المحاسبة من مجرد الاهتمام بالنواحي الحرفية المتمثلة في فن مسك الدفاتر وتنظيم الحسابات إلى كونها نظام للمعلومات وأداة اتصال مما يشير إلى الوظيفة الاجتماعية للمحاسبة .
·بناء على ما سبق يمكن تقسم التطور المحاسبي فنياً إلى أربعة مراحل هي :-
المرحلـة الأولى :- مرحلة البدء في تكوين الإطار الفني للمحاسبة .
المرحلـة الثانية :- مرحلة الاهتمام المهني والأكاديمي في المحاسبة .
المرحلـة الثالثة :- مرحلة الاهتمام بالمحاسبة كنظام للمعلومات .
المرحلـة الرابعة :- مرحلة الاهتمام بالمحاسبة عن المسؤولية الاجتماعيـة .
المرحلـة الأولى :- تكوين الجانب الفني في المحاسبة :-
تتميز هذه المرحلـة بتكوين الجوانب الفنية للمحاسبة وكان أبرزها التطور في نظام القيد المحاسبي (نظام القيد المزدوج) بغرض تحقيق أهداف ضبط ودقة وانتظام التسجيل الدفتري والوصول إلى استخراج قائمتين مترابطتين هما قائمة الدخل وقائمة المركز المالي وهما قائمتان تعتمدان على خاصية التوازن الحسابي كنتيجة طبيعية لتطبيق نظام القيد المزدوج .
وطبقاً لاستخدام نظام القيد المزدوج أصبح لدى المحاسبين ما يمكن تسميته بنظرية أو منهج (تشخيص الحسابات) أي ما يسمح بتبويب الحسابات إلى حسابات شخصية وحسابات حقيقية .
+
- ثم تطور مفهوم استخدام هذا القيد تمشياً مع احتياجات صاحب المال (المشروع) بحيث أصبح عرض الحسابات وتبويبها ينسجم مع وجهة نظر صاحب المشروع أوما عرف بنظرية (أصحاب المشروع) وهو يركز على المركز المالي لأصحاب المشروع دون الاهتمام بقائمة الدخل ، ويقوم على معادلتين رئيسيتين :-
1. الأرصدة أول المدة التدفقات النقدية خلال المدة = الأرصدة في نهاية المدة
2. حقوق الملكية (رأس المال) = الأصول – الخصوم
ونتيجة لتطور رغبات أصحاب المشروع في تحديد مدى نجاح مشروعاتهم وتقديم التفسيرات للأحداث والعمليات وأثرها على الوحدة المحاسبية ، فقد أصبح لزاماً الانتقال من نظرية تشخيص الحسابات إلى (نظرية المعاملات) حيث تم إضافة الحسابات الاسمية ، وما يتطلبه ذلك من تطبيق مبدأ الاستحقاق في إثبات المعاملات (أي مجرد تحققها وليس بالضرورة عند تحصيلها أو دفعها) وهو ما ألقى عبئاً إضافياً على المنهج المحاسبي .
وبإضافة الحسابات الاسمية أصبحت معادلة الميزانية على النحو التالي :-
الأصول + المصروفات = الخصوم + الإيرادات + رأس المال
المرحلـة الثانية :- التطوير المهني والأكاديمي :-
يلاحظ أن المرحلة السابقة قد تميزت بتطوير فنون التطبيق العملي للمحاسبة وأنها أداة رقابة داخلية على الممتلكات ، تحقق رغبات أصحاب المشروع ، إلا أنه نتيجة بعض العوامل والتحولات ، بدأ الاهتمام منذ بداية القرن التاسع عشر نحو تطوير المحاسبة مهنياً وأكاديمياً بسبب عدة عوامل أهمها :-
·ظهور الثورة الصناعية ، وما تطلبه ذلك من كبر وإتساع مجال عمل الشركات والحاجة إلى التمويل مما استدعى تطوير المبادئ والقواعد المحاسبية لتلبي حاجات الدائنين وضمان المحافظة على رأس المال ، وعدم إجراء توزيعات منه .
·ظهور الشركات المساهمة ، وما تطلبه ذلك من ضرورة تجميع رؤوس الأموال وضمان استمرارية عمل الشركات من ناحية ، والتحول نحو فصل الملكية عن الإدارة ، الأمر الذي أدى إلى بروز مفهوم أو فرض الاستمرارية وفرض الشخصية المعنوية المستقلة ، وقد كان لهذه الخاصية الأخيرة أثر كبير على المحاسبة ، حيث ظهر أهمية الدور المحاسبي في تقييم الإدارة ونتائج أعمالها من خلال إعداد قائمة الدخل والتي أصبحت تأخذ الأهمية بدلاً من قائمة المركز المالي ، مع البدء في استخدام مبدأ مقابلة الإيرادات بالمصروفات . كما كان لانتشار تلك الشركات أثر كبيراً في تدخل الدولة لضمان حد أدنى من الإفصاح للأطراف الخارجية ، وما يتطلبه ذلك من ضرورة مراجعة القوائم المالية من مثل مراجع خارجي مستقل ، وفعلاً بدأ ظهور الجمعيات المهنية وكان أولها جمعية المحاسبين في اسكتلندا عام 1854 ، ثم مجمع المحاسبين والمراجعين بإنجلترا وويلز عام 1880 ، ثم جمعية المحاسبين الأمريكيين عام 1887 .
·فرض ضرائب الدخل على الأفراد والشركات ، وما تطلبه ذلك من اتساع الطلب على خدمات المحاسبين باعتباره المحتكر لوظيفة إنتاج المعلومات المالية سواء داخل المنشأة أم خارجها .
·ظهور شركات المنافع العامة ، كشركات الكهرباء ، والهاتف ، والنقل مما أدى إلى ظهور مفاهيم الاستهلاك للأصول الثابتة التي تملكها تلك الشركات وظهور مشاكل الشهرة وتصنيف حقوق الأقلية في تلك الشركات بعد عمليات الدمج التي تعرضت لها .
وبناءً على هذه المرحلة يلاحظ أن التطور قد أصبح واضحاً في المجال المهني ، وأهمية تأسيسها على مجموعة من القيم المقبولة اجتماعياً مثل الحياد وعدم التحيز ، الصدق في التعبير ، الموضوعية في القياس ، عدالة القوائم المالية ، الإفصاح الكافي وهو ما يعرف بالمدخل الأخلاقي للمهنة والخطوة الهامة في بناء نظرية المحاسبة وبصفة خاصة في تحديد المبادئ والقواعد المحاسبية اللازمة لتحقيقها .
أما في المجال الأكاديمي فقد أصبح لزاماً على المحاسبين صياغة مفاهيم وأفكار وتنظيم إطار فكري مترابط يجمع بينهما ، ومن هنا بدأ الاهتمام بتطوير نموذج محاسبي مناسب للوحدة الاقتصاديـة .
المرحلة الثالثة :- ظهور المحاسبة الإدارية :-
ظهرت المحاسبة الإدارية وتم استخدامها كنظام للمعلومات ، وقد كان هذا التطور إستجابة طبيعية لانتشار الفكر الخاص بمدرسة الإدارة العلمية التي تنادي بشعار "ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته " “What cannot b measured, Cannot be managed”
لقد اخذ التطور نحو المحاسبة الإدارية في بادئ الأمر في شكل تحليلات لنتائج المحاسبة المالية ، إلا أن التطور التقني واستخدام الحاسوب أتاح للمحاسب المجال لتطوير مخرجات المحاسبة المالية والتركيز نحو نظام المعلومات واستخدامها في مجالات التخطيط والرقابة وبصفة خاصة في مجال ترشيد القرارات ، ومع استمرار تطور المحاسبة الإدارية والاستعانة بها في مجال الإحصاء وبحوث العمليات ، أدى إلى تطوير البيانات المالية المحاسبية وإعداد الموازنات التخطيطية وقياس التكاليف .
استمرت مسيرة تطوير الدور المحاسبي صوب الاهتمامات الإدارية عن طريق الاستعانة بفروع المعرفة الأخرى ، مما أثر على اتجاهات المحاسبة المالية ووظيفة إنتاج المعلومات وأصبحت نظاماً للمعلومات يبدأ طرفه الأول بالبيئة المحيطة (المدخلات) ، حيث يتم التعامل مع ظواهر اقتصادية واجتماعية متنوعة ومتشابكة (أحداث محاسبية) ، أما الطرف الأخر (المخرجات) فهو أيضاً بالغ الخطورة بالنسبة للنظام المحاسبي حيث تتعدد اتجاهات المعلومات المطلوبة وما يترتب عليه من تعدد الأهداف التي يجب أن تقدمها القوائم المالية.
إن النظر إلى نظام المحاسبة المالية على أنه نظام للمعلومات يبرز الحاجة إلى أهمية التأصيل العلمي إلى ثلاثة مجالات رئيسية :-
المجال الأول :- يتعلق بمدخلات النظام المحاسبي ، وهذا الجانب يتطلب تحديد المبادئ العلمية التي تحكم الأحداث والمعاملات التي يجب معالجتها محاسبياً .
المجال الثاني :- يتعلق بعملية تشغيل البيانات ، وهو يتطلب تحديد المناهج والمبادئ العلمية اللازمة لتحويل البيانات إلى معلومات .
المجال الثالث :- يتعلق بمستخدمي المعلومات (المخرجات) ، وهو يتطلب دراسات سلوكية مكثفة لاحتياجات مستخدمي هذه المعلومات ، ووضع تصور فكري للأهداف التي يجب أن يخدمها النظام .
المرحلـة الرابعـة :- المحاسبة عن المسئولية الاجتماعية :-
وتعتبر المحاسبة عن المسئولية الاجتماعية أحدث مراحل التطور المحاسبي ، فمن المعروف أن نتائج عمال الوحدة المحاسبية يؤثر في مصالح فئات عديدة أهمها المستثمرين الحالين والمرتقبين ، الإدارة ، المقترضين الحاليين والمرتقبين ، الجهات الحكومية ، العاملين في الوحدة المحاسبية ، العملاء ، الموردين ، ونظراً لاحتمال تعارض مصالح هذه الفئات ، فإن الاتجاه هو ضرورة التزام المحاسب بوجهة النظر الاجتماعية أي أن تنحو التقارير منهجاً شمولياً ، تغطي احتياجات كافة فئات المجتمع دون تغليب وجهة نظر فئة على أخرى وحتى لا تتأثر عدالة توزيع المنافع من تلك التقارير ويكون الأثر النهائي في صالح المجتمع بكامل فئاته وهو ما يعرف بمدخل الرفاهية الاجتماعية في بناء نظرية المحاسبة .
وهذا المدخل يتطلب نموذجاً محاسبياً مبنياً على أساس من القيم الاجتماعية السائدة في المكان والزمان ، مع التوسع في الإفصاح المحاسبي بغرض تغطية احتياجات كافة الطوائف ، كما يتطلب أيضاً هذا النموذج التوسع في القياس المحاسبي ليشمل الآثار الخارجية لتصرفات الوحدة الاقتصادية والمتمثلة في التكلفة الاجتماعية والعائد الاجتماعي .
ثانياً : النظرية ودورها في مجال المحاسبة :-
نتعرض في هذا المقام إلى أهمية النظرية والحاجة إليها بشكل عام وفي المحاسبة بشكل خاص ، وما هي وظائف النظرية ، وما الدور المتوقع أن تقوم به في مجال المحاسبة ، وأخيراً ما هي عناصر ومكونات النظرية .
من المعلوم أن الإطار الفكري المحاسبي في الوقت الحالي يقوم على مجموعة من الفروض والمفاهيم والمبادئ التي تحكم عمليات القياس والتسجيل والتلخيص والتوصيل ، ومن أمثلة ذلك "مفهوم الوحدة المحاسبية ، فرض وحدة القياس النقدي ، مبدأ الاستمرار ، مبدأ التكلفة ، مفهوم التحقق ، مبدأ الثبات ، سياسة الحيطة والحذر ، قاعدة التكلفة أو السوق أيهما أقل ، أساس الاستحقاق ، الأساس النقدي ، الأهمية النسبية ، مبدأ مقابلة الإيرادات بالمصروفات ، فرض الدورية ، نظام القيد المزدوج ، فرض ثبات القوة الشرائية للنقود ، مبدأ الموضوعية .
ويلاحظ على ما سبق اختلاف المسميات المعطاة لهذه المكونات (فرض ، مبدأ ، مفهوم ، قاعدة ، سياسة ، معيار.. الخ ) ، والحقيقة أنه ليس هناك مسمى واحد متفق عليه بين المحاسبين لأي من الأفكار السابقة ، فمثلاً القيد المزدوج يطلق عليه مبدأ أو نظرية أو طريقة ، كما أن هناك اختلافات تحديد المقصود من بعض المفاهيم ، فمثلاً مفهوم الاستمرارية يعرفه البعض على أن الوحدة المحاسبية سوف تبقى في مزاولة نشاطها إلى ما لا نهاية ، في حين يرى البعض أن المقصود به هو أن حياة المنشأة أطول من حياة أي أصل تمتلكه المنشأة ، وهناك تفسير ثالث وهو استمرار نمط الملكية القائم لرأس المال أو التنظيم الإداري والشكل القانوني للمنشأة .
كما أن هناك اتفاق بين المحاسبين على إعداد تقارير دورية ولكنهم يختلفون حول الفترة المحاسبية ، وكذلك مواعيد التقارير المرحلية ، كذلك هناك من يرى أن الدورية تتطلب الاعتراف بالمقدمات والمستحقات في حين نجد هناك منشآت تعد تقاريرها على الأساس النقدي أو على مزيج من أساس الاستحقاق والأساس النقدي ، كذلك هناك العديد من المفاهيم ضمن الإطار الفكري الحالي للمحاسبة غير محددة المعنى وقد لا تعدو كونها في وضعها الحالي مجرد بديهيات ومن أمثلتها (الأهمية النسبية ، الثبات ، الإفصاح ، تغليب الجوهر على الشكل"
كذلك نلاحظ أن هناك تعارضاً بين سياسة الحيطة والحذر وبين استخدام التكلفة كأساس لتقويم الأصول الثابتة ، فطبقاً لمبدأ الاستمرارية تظهر الأصول الثابتة على أساس التكلفة والتي قد تزيد عن قيمتها البيعية خاصة بالنسبة للأصول المتخصصة ، وهو يتعارض مع مبدأ الحيطة والحذر ، كما أن هناك عدم اتساق منطقي بين فرض ثبات القوة الشرائية للنقود وبين فائدة المعلومات المحاسبية مما يؤدي إلى فقدان الثقة في جدوى وفاعلية القوائم المالية .
ومن ناحية أخرى نجد أن من أخطر الانتقادات التي وجهت للمحاسبة هو عدم توفر معالجات موحدة للكثير من الأحداث المحاسبية المتشابهة ، ومن أمثلة ذلك تعدد المعالجات للمخزون السلعي كسياسة الوارد أولاً صادر أولاً ، الوارد أخيراً صادر أولاً ، المتوسط المرجح .
وفي مجال الإيرادات هل يتبع أساس الإنتاج ، أساس البيع ، أساس التحصيل ، وفي مجال الربح هل يتبع أساس الربح الشامل ، أساس ربح النشاط الجاري ، الربح بعد خصم الضرائب ، والربح بعد خصم الفوائد .
وفي مجال الاهلاكات هناك طرق متعددة كطريقة القسط الثابت ، المتناقص ، مجموع أرقام السنين ، طريقة النفاذ ..الخ
كذلك هناك مجالات متعددة أمام المحاسبة فيما يتعلق بمستوى التجميع أو التفصيل للمعلومات التي يتم الإفصاح عنها في التقارير المالية ، واختلاف طرق التبويب والعرض وتجديد المعلومات التي يجب التقرير عنها في صلب القوائم المالية .
ومن نواحي القصور الأخرى في الإطار الفكري الحالي أنه غير مكتمل بمعنى أنه لا يقدم إجابات قاطعة بالنسبة للكثير من المشكلات التي تواجه المحاسب ، مثلاً لا نجد في الإطار الفكري الحالي إجابات محددة حول بعض التساؤلات :-
·مشكلة التغير في الأسعار .
·قياس العمليات غير الملموسة (الأصول المعنوية)
·قياس التكلفة الاجتماعية والعائد الاجتماعي
وحول ما سبق يلاحظ على الإطار المحاسبي الحالي ما يلي :-
·يفتقر إلى الترابط بين مكوناته وعدم توفر معالجات موحدة لكثير من الأحداث المحاسبية المتشابهة .
·تباين الممارسات المحاسبية بالنسبة للطرق التي يستخدمها المحاسب بالإضافة إلى تباين أسس القياس والتقويم .
·لا يوجد أساس علمي يمكن الاعتماد عليه في مجال المفاضلة بين البدائل ، وإن إعداد القوائم المالية يعتمد كثيراً على الاجتهاد الشخصي ، ولعل ذلك من أحد الأسباب التي وجهت للمحاسب بالتقصير أو الوقوع تحت تأثير الإدارة أو تقديم تقارير غير موضوعية .
·إن الهجوم على الإطار الفكري الحالي قد أثير من داخل المهنة نفسها بنفس الدرجة التي أثير بها من المجتمع المالي بصفة عامة .
أمام كل ما سبق تظهر الحاجة إلى وجود نظرية محاسبية تتمثل في إطار فكري متسق ومتكامل تأخذ في الاعتبار أوجه القصور والانتقادات سالفة الذكر ، والحقيقة أن معظم المفاهيم والإجراءات التي تكون الإطار الفكري الحالي إنما تعكس اهتماماً بالنواحي الفنية والإجرائية الخاصة بالممارسات ، فهي أقرب إلى القواعد العرفية أو التقاليد أو الاصطلاحات منها إلى المبادئ العلمية .
إن مهنة المحاسبة على هذا النحو تعتبر في وضع متدن بالمقارنة بالمهن الأخرى كالطب والهندسة والمحاماة ، فعلى سبيل المثال هناك مبادئ تحكم نشاط الطبيب مستمدة بصورة مستقلة عن الممارسة العملية اعتماداً على فروع معرفة أخرى كالفيزياء ، الإحصاء ، الكيمياء وبناءً عليه فليس هناك أكثر من مسمى واحد لمرض معين ، وإذا ما قارنا ذلك بإمكانية إعداد القوائم المالية المختلفة لنفس المنشأة عن نفس الفترة ، أو إعطاء مسمى الاستهلاك لكافة طرق احتساب الاستهلاك للأصول الثابتة على الفترات المختلفة يتبين أوجه الاختلاف بين ما تتميز به العلوم الأخرى عن علم المحاسبة .
وهكذا يرى البعض أن المحاسبة بوضعها الحالي هي أقرب ما تكون إلى الفن منها إلى العلم وأن خصائص العلم لا يمكن أن تتوفر فيها ، بمعنى أنه ليس من المتوقع أن يكون هناك قوانين محاسبية ثابتة وصحيحة في جميع الظروف والأوقات كما هو الحال في العلوم البحتة أو الطبيعية ، ويبرر أصحاب هذا الرأي وجهة نظرهم بأن المحاسبة تتعامل مع ظواهر اقتصادية واجتماعية هي نتاج السلوك الانساني بخلاف الحال في العلوم الطبيعية التي تتعامل مع ظواهر طبيعية أكثر قابلية للتحديد والقياس والتنبؤ ، وبالتالي فهم يرون بأن هناك حاجة ماسة إلى نظرية المحاسبة يمكن الاعتماد عليها في توجيه الجوانب التطبيقية ، وأن الوضع الحالي للمحاسبة قاصر على مجموعة من القواعد الحكمية والاصطلاحات التي يصعب الدفاع عنها على أساس منطقي .
ومن ناحية أخرى هناك من يرى ان القواعد الاصطلاحية الموجودة لا تعيب المحاسبة، وان هناك حاجة إلى وجودها مع ضرورة وجود تحديد واضح لمجال استخدام كل منها ، فالقواعد العرفية (الاصطلاحية) والمبادئ ضرورية لكل علم ، فهي أداة لتنظيم السلوك في مجال معين حتى لا يترك المجال للاختيار تجنباً للفوضى والارتباك ، ولكن تجدر الإشارة أيضا إلى أن درجة تقدم أي حقل من حقول المعرفة تتناسب عكسيا مع درجة اعتماده على القواعد العرفية، فكلما زادت هذه القواعد العرفية في مهنة معينة، كلما ازداد مجال التدخل من جانب المهمتين بهذه المهنة كالجمعيات المهنية او الجهات الحكومية بفرض تنميط الممارسات العملية وفرض اختيارات محددة يلتزم بها الممارسون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.