الجمعة، 30 نوفمبر 2012

مدى التزام الدول بمعايير المحاسبة الدولية

5 ـ   مدي التزام الدول  بالمعايير الدولية :
في خضم الأحداث المتلاحقة وابتداء من سنة 2000م ومن أجل تطوير مجموعة متكاملة وعالية الجودة من معايير المحاسبة الدولية لتحقيق العالمية في مبادئ إعداد التقارير المالية، أنجز المنتدي الدولي لتطوير المحاسبة IFAD بمعرفة مكاتب المحاسبة الكبرى ثلاثة أبحاث للوقوف علي:
1-        المشاكل التي تعترض عملية عولمة الممارسة المحاسبية وتبني مجموعة واحدة من المعايير المحاسبية عالية الجودة ، وبالأخص معايير المحاسبة الدولية.
2-        مدي إقدام الدول المختلفة على تطبيق معايير المحاسبة الدولية أو توفيق معاييرها الوطنية معها ، سواء على مستوي الحكومات ، أو على مستوي الهيئات النظامية في الدول، أو على مستوي المجالس الوطنية لتلك الدول.
3-        المداخل التي اتبعتها الدول والإجراءات التي تبنتها لتحقيق هدف التوافق أو التطبيق، ومن ثم اقتراح الآليات الممكنة للإسراع بعملية التوافق.
وقد قدمت هذه الأبحاث في ثلاث دراسات منشورة على موقع الاتحاد الدولي لهيئات المحاسبة الوطنية في أعوام 2000 ، 2001 ، 2002م. وتعتبر دراسة 2002م أهم هذه الدراسات لأنها عكست حقيقة عمل المجالس الوطنية تجاه المعايير الدولية (32). وغطت الدراسة ثلاث حقائق هي : ما إذا كان هناك خطة أو نية لتطبيق المعايير الدولية والتوافق معها ، ما هي طبيعة الخطة إن وجدت ، وما هي الصعوبات أو المعوقات التي تعرقل تقدم الخطة أو تمنع الدولة من التفكير في التوافق مع المعايير الدولية. للوقوف علي هذه الحقائق أعدت قائمة استقصاء من (21) سؤال وجهت إلى مكاتب المحاسبة في (54) دولة من أنحاء مختلفة من العالم منها المملكة العربية السعودية ومصر وتونس. وفيما يلي ملخص للنتائج والمقترحات التي قدمتها الدراسة.
5/1  وجود خطة أو نية للتطبيق أو التوافق :
أوضحت نتائج الدراسة أن 51 دولة تمثل 95% من عينة الدراسة لديها خطة أو على الأقل النية للتوافق مع معايير المحاسبة الدولية (اثنين فقط من 51 دولة طبقت معايير المحاسبة الدولية هما قبرص وكينيا). وثلاث دول فقط بنسبة 5% من عينة الدراسة لا يوجد لديها خطة أو مجرد النية للتوافق مع معايير المحاسبة الدولية. الدول الثلاث هي اليابان والمملكة العربية السعودية وأيسلندا.
5/2  فلسفة واستراتيجية التوافق مع معايير المحاسبة الدولية :
لاستكشاف فلسفة الخطة التي تتبناها الدولة للتوافق مع المعايير الدولية، حاولت الدراسة الكشف عن مصدر الدعم للخطة. فمصدر الدعم قد يكون الحكومة أو التشريع، كما قد يكون مصدره هيئة نظامية كالبنوك المركزية أو هيئات سوق المال ، أو قد يكون مصدره المجلس الوطني للمعايير أو الهيئة الوطنية للمحاسبين. ولقد أوضحت النتائج أن 39 دولة بنسبة 57% لديها خطة رسمية صادرة عن جهة حكومية وذلك للتوافق مع معايير المحاسبة الدولية. من هذا العدد 25 دولة عضو في الاتحاد الأوربي أو تخطط للدخول فيه، حيث أصبحت هذه الدول ملزمة بتوفيق معاييرها الوطنية تبعا للتشريع الصادر عن البرلمان الأوربي. وتوضح الخطط أن التوافق سوف يطبق على القوائم الموحدة للشركات المقيدة في أسواق المال. نسبة 15% من عينة الدراسة مصدر دعم الخطة فيها هو مجالس المعايير الوطنية والهيئات المحاسبية دون وجود إلزام حكومي. أما بقية الدول فإن مصدر الدعم لديها ينبع من مصادر أخري وخاصة أن هذه الدول لديها النية فقط لإعداد خطة للتوافق في الأجل القصير.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الدول التي أقدمت أو لديها النية لتقدم على تطبيق المعايير الدولية صراحة هي دول ليس لديها بنية أساسية أو موارد كافية لإعداد معاييرها الوطنية الخاصة بها ، لهذا فإن هذه الدول ليس من المتوقع أن تشارك بفاعلية في صناعة المعايير الدولية. أما الدول التي لديها الموارد أو البنية الأساسية لإعداد معاييرها الوطنية فإنها سوف تتبني خطة للتوافق مع المعايير الدولية. وتتدرج خطة التوافق بحسب حجم البنية الأساسية المحاسبية والموارد المتاحة لهذا الغرض. على سبيل المثال فالدولة التي لديها بنية أساسية ممثلة في جامعات ومكاتب للمحاسبة فإنها سوف تعد نسخة وطنية من المعايير الدولية دون أن تشارك في الإعداد، أما الدول التي لديها مؤسسات وطنية قوية وموارد مالية مخصصة لصناعة المعايير ولديها خبرة طويلة في هذه العملية فإنها سوف تساهم بفاعلية في الهيئة الدولية لصناعة المعايير المحاسبية كما أن الخطط الموجودة لديها سوف تكون خطط لتوفيق المعايير الوطنية مع المعايير الدولية.
5/3  المشاكل والمعوقات :
استعرضت الدراسة بعض المشاكل التي تعيق خطط التوافق أو تمنع الدول عن التفكير في تبني خطة معينة لهذا الغرض. من هذه المشاكل ما يلي :
-       الطبيعة المعقدة التي تصاغ بها بعض المعايير مثل المعايير المرتبطة بالاستثمارات والمشتقات والأدوات المالية والمعايير المرتبطة بالقيمة العادلة عموما. هذه المعايير يكتنفها الكثير من الصعوبات تؤدي إلى عدم فهمها أو عدم إمكانية تطبيقها. من ناحية أخري فإن مفهوم القيمة العادلة مفهوما نظريا لا يمكن التحقق منه على أرض الواقع ، وحتى إذا أمكن فهمه بالمضمون الذي تقصده المعايير الدولية ، فإن معظم الدول إما أن لا يكون لديها تشريعات منظمة للأدوات المالية، أو أنها تختلف عن الدول الأخرى في تنظيم مثل هذه الأدوات ، أو أنها ليس لديها أسواق على درجة من الكفاءة التي تفرز قيم سوقية يمكن استخدامها بديلا للقيمة العادلة.
-       التوجه الضريبي والحكومي. بعض الدول يكون الهدف من التقارير المحاسبية فيها هو حساب الربح الضريبي أو إنتاج معلومات تساعد المخطط القومي على إعداد البيانات القومية التي تساعد في التخطيط واتخاذ القرارات على المستوي القومي. مثل هذه الدول مازلت موجودة حتى على الرغم من تبني معظم دول العالم لبرامج الإصلاح الاقتصادي التي منها تحرير الشركات وإدخال القطاع الخاص شريكا في الشركات الوطنية أو مالكا لها.
-        قناعة المستثمرين ومستخدمي القوائم المالية الآخرين بالمعايير الوطنية. التصور هنا أنها ليست قناعة وإنما هي في حقيقتها تعود المستثمرين ومستخدمي القوائم المالية على المعايير الوطنية إلى الدرجة التي يصعب فيها تحول أولئك المستخدمين إلى قراءة قوائم مالية أعدت باستخدام طرق محاسبية غير التي تعودوا عليها، خصوصا أن الثقافة المحاسبية لمستخدمي القوائم المالية في هذه الدول تعتبر ضعيفة للدرجة التي لا تمكنهم من فهم القيم المالية المنتجة ببدائل محاسبية مختلفة.
-       مشاكل الترجمة. المعايير الدولية تصدر باللغة الإنجليزية وبمصطلحات محاسبية إنجليزية متعارف عليها. وتكمن الصعوبة هنا أن التراجم قد تصل إلى مقابل المصطلح من اللغة الوطنية ولكن المصطلح الوطني قد لا يعكس مضمونه نفس المضمون المقصود في المعايير الدولية وبالتالي تفقد عملية الترجمة فاعليتها.
5/4  المقترحات :
اقترحت دراسات المنتدى مجموعة من الخطوات والآليات لمساعدة الدول في البدء أو الإسراع بتبني وتنفيذ خطط التوافق مع معايير المحاسبة الدولية. هذه الخطوات تتضمن:
-             لابد أن يكون لدى الدولة خطة تهدف إلى تحقيق التوافق مع المعايير الدولية أو تتبني تحول الشركات الوطنية إلى تطبيق المعايير الدولية.
-             تقوم الدولة بتحديد الفروق بين المعايير الوطنية ومعايير المحاسبة الدولية ودراسة هذه الفروق واستبدال البدائل والحلول المختلفة في المعايير الوطنية بمثيلاتها في المعايير الدولية إذا كانت الظروف تسمح بذلك.
-             تقوم الدولة بإصدار معيارا وطنيا متوافقا مع كل معيار دولي.
-             يقتصر التطبيق للمعايير الدولية أو الوطنية المتوافقة على مجموعة محدودة من الشركات.
-             أن تقترن عملية التحول إلى المعايير الدولية أو التوافق معها بالتدريب الفعال على مستوي المهنة ومعدي القوائم المالية وأن تدرج معايير المحاسبة الدولية في المقررات الدراسية الجامعية.
-       أن تحدد الخطة تاريخا محددا لإنجاز أهدافها.
في هذا الصدد يمكن أن نضيف أن الدولة التي ترغب في التوافق مع المعايير الدولية عليها أن تتخذ قرارا في هذا الشأن من السلطة المسئولة عن مثل هذه الأمور، كأن تصدر تشريعا بذلك، أو تتخذ قرارا حكوميا من وزارة المالية أو من الوزارة المعنية بالأمور المحاسبية، أو أن تصدر ذلك القرار الجهات النظامية والإشرافية كهيئة سوق المال أو مؤسسة النقد أو البنك المركزي أو ما شابه ذلك. ويمكن أن يتخذ القرار من جانب مجلس وطني للمعايير أو الهيئة الوطنية للمحاسبين إذا كانت لديها الصلاحيات التي تمكنها من ذلك. في جميع الأحوال فإن القرار يجب أن يحدد مدي زمني لإنجاز التحول على أن تقوم الهيئة المحاسبية أو مجلس المعايير الوطني بإعداد خطة تدريجية لإنجاز الهدف. ومع هذا فإن عملية القرار لا بد وأن يسبقها أعمال تحضيرية غير رسمية تشكل رأيا عاما يؤيد عملية التطبيق أو التوافق مع المعايير الدولية. من هذه الأعمال، إعداد الندوات والمؤتمرات وورش العمل وإلقاء المحاضرات والتقارير الصحفية. مثل هذه الأعمال تجذب رأي مستخدمي القوائم المالية إلى جانب المعايير الدولية وتهيئ البيئة المالية والاستثمارية لهذا التحول.
5/5 تطبيق المعايير الدولية في دول الشرق الأوسط :
في الفترات الأخيرة، ونتيجة للتحولات الدولية نحو معايير المحاسبة الدولية، أجريت العديد من الدراسات التي تستهدف مدي تطبيق والاسترشاد بمعايير المحاسبة الدولية في دول عديدة، وكذلك تحليل مدي ملائمة هذه المعايير للنظم الاقتصادية في بيئات معينة كالدول الإسلامية والدول النامية وغيرها. من هذه الدراسات اخترنا دراسة حديثة (أجريت بين 2002، 2003م) على دول الشرق الأوسط وشملت كل الدول العربية (33).
تناولت الدراسة أهمية معايير المحاسبة الدولية لبعض الدول وخصوصا النامية منها. وبلورت أهمية المعايير في حاجة بعض الدول النامية وبعض دول الشرق الأوسط إلى الحصول على التمويل غير المباشر لجذب رؤوس الأموال الأجنبية، ووجود مكاتب محاسبة أجنبية عاملة في هذه الدول تتولي التشجيع على استخدام المعايير الدولية، وأن هذه الدول ليس لديها خبرة طويلة في صناعة معايير المحاسبة كما أن المتاح لديها من المعايير الوطنية لا يشكل هيكل متكامل من المعايير. واستعرضت الدراسة أهمية تطور ونمو أسواق المال في دول الشرق الأوسط كعامل حيوي وراء الطلب على معايير المحاسبة. وقد رتبت الدراسة أسواق المال من حيث عدد الشركات المقيدة في البورصة الوطنية وكانت مصر أكبر سوق من حيث عدد الشركات المقيدة تلتها الأردن ثم الكويت ثم البحرين ، في نفس الوقت لم تتوافر بيانات عن دولا أخري وخصوصا دول الخليج الأخرى وهي المملكة العربية السعودية وعمان والإمارات والكويت وقطر. كما أوضحت الدراسة أيضا أن جميع الدول لديها عضوية في الاتحاد الدولي لهيئات المحاسبة IFAC مع عدم توافر معلومات عن الإمارات وقطر وعمان (34).
أوضح المسح الذي أجرته الدراسة أن الدول التي تطبق معايير المحاسبة الدولية هي: البحرين ومصر والأردن والكويت في حين لم تتوافر معلومات عن دولا أخري كالإمارات وقطر وعمان، أما عن المملكة العربية السعودية فإن الدراسة أوضحت أنها تطبق معايير وطنية صادرة عن وزارة المالية. فإذا أخذنا في الاعتبار أن مصدر هذه المعلومات كما بينت الدراسة هو مجلس معايير المحاسبة الدولية نفسه، فإن هذه ثاني إشارة دولية صريحة على عدم اهتمام المملكة العربية السعودية بمعايير المحاسبة الدولية.
5/6  أهمية المعايير الدولية بالنسبة لدول مجلس التعاون :
أشرنا أن كلا من مجلس معايير المحاسبة الدولية IASB والاتحاد الدولي للمحاسبين IFAC أشار إلى أن المملكة العربية السعودية من الدول القليلة جدا التي لا تسترشد بالمعايير الدولية وليس لديها نية لذلك ، وأن دول خليجية أخري كالإمارات وقطر وعمان لا يوجد عنها أي معلومات صريحة في هذا الشأن.  في هذه الحالة فإن الأمر يلزمه تعقيب مناسب على ذلك حتى توضع الأمور في مكانها الصحيح بالنسبة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مجتمعة بصفة عامة وللملكة العربية السعودية بصفة خاصة. فاليابان عندما وجه لها نفس الإشارة أعدت ردا ونشرته على موقع الإنترنت موضحة أهمية معايير المحاسبة الدولية بالنسبة لها وكذلك التزامها بالمعايير الوطنية التي تتفق مع طبيعة البيئة الاقتصادية لديها. ونوجز الرد على أهمية المعايير الدولية بالنسبة لدول المجلس على النحو الآتي :
-        أن السعودية ، وكل دولة من دول المجلس ، لديها هيئة مستقلة للمحاسبين تضم في هيكلها مجلس لمعايير المحاسبة.
-        أن كل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أعضاء في هيئة محاسبية مستقلة أيضا أحد مكوناتها مجلس مستقل لصناعة معايير المحاسبة المالية.
-        أن المعايير الدولية هي أول مصدر للاسترشاد عن إعداد دراسة تحليلية لمعيار محاسبة سعودي أو خليجي.
-        أنه لا يوجد ما يمنع من تبني المعالجات الدولية عندما تتفق تلك المعالجات مع طبيعة النظم في المملكة ودول مجلس التعاون، وهناك العديد من الأمثلة على ذلك سواء في معايير المحاسبة أو المراجعة.
-        أن هيئة المحاسبة والمراجعة لدول المجلس توصي بالرجوع إلى معايير المحاسبة الدولية في حالة عدم وجود معيار صادر عن الهيئة لمعالجة عملية معينة وكذلك تنتهج معايير المحاسبة السعودية نفس النهج في حالة عدم وجود معيار.
 على هذا لأساس فإن الحقيقة منقوصة ومغالطة أحيانا كثيرة في الادعاءات بأن دول مجلس التعاون بصفة عامة والمملكة بصفة خاصة لا تسترشد بالمعايير الدولية شأنها في ذلك شأن معظم الدول. في نفس الوقت فإنها لا تطبقها تطبيقا حرفيا مثل بعض الدول لأسباب عديدة أهمها الاختلاف الجذري مع النظم والأنماط الغربية ، وأن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مجتمعة وممثلة في هيئة المجلس لديها المقومات المتمثلة في بنية أساسية محاسبية قوية والموارد الكافية سواء المالية أو البشرية اللازمة لتطوير معايير خاصة بظروفها مسترشدة في ذلك بالمعايير الدولية أو بأي معايير أخري كالمعايير الأمريكية.



(32)   الأبحاث الثلاثة نشرت في ثلاث سنوات متعاقبة وكان هدفها الأساسي البحث في مدي التزام الدول بالمعايير الدولية. مراجع الأبحاث الثلاثة هي :
IFAD, 2000, GAAP 2000: A Survey of National Accounting Rules in 53 Countries, IFAC, http://www.ifac.org
IFAD, 2001, GAAP 2001: A Survey of National Accounting Rules Benchmarked against International Accounting Standards, IFAC, http://www.ifac.org
IFAD, 2002, GAAP Convergence 2002, IFAC, http://www.ifac.org
(33)     هذه الدراسة منشورة على الإنترنت ويمكن إجراء بحث مباشر عنها باستخدام اسم الباحث الرئيسي كمفتاح للبحث :
Basoglu, B., And A. Goma, 2003, International Accounting Standards and Selected Middle East Stock Exchange, Working Paper, Manhattan  College.
(34)     بالرجوع إلى قائمة عضوية IFAC لم نجد أن دول الخليج الثلاثة: الإمارات وعمان وقطر لديها عضوية في الاتحاد حتى يناير 2005، بينما دول مجلس التعاون الأخرى لديها عضوية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

كتاب مباديء المحاسبة المالية 2024

للتحميل