الخميس، 29 نوفمبر 2012

القيمة العادلة في قفص الاتهام!!

اتجهت المجامع المهنية والمعايير المحاسبية الدولية منذ أواخر سبعينات القرن العشرين إلى المطالبة بالتحول في القياس المحاسبي من بمبدأ التكلفة التاريخية إلى القيمة العادلة كمقياس أفضل لتقييم الأدوات المالية والمطلوبات المالية والممتلكات والاستثمارات العقارية والمنتجات الزراعية ومعالجة تقييم بعض هذه الموجودات بالقيمة العادلة، حيث قامت لجنة المعايير المحاسبية الدولية بتخصيص معايير خاصة لهذه البنود وهي المعيار المحاسبي 39 الأدوات المالية الاعتراف والقياس.
ولعل أهم الأسباب في أتباع معيار القيمة العادلة هو بسبب النتائج السلبية المترتبة على فتراض ثبات وحدة النقد تحت الظروف الاقتصادية ولذلك فقد تطورت أسس القياس المحاسبي وأساليب العرض والإفصاح.
وقد أشارت المعايير المحاسبية أن أفضل دليل على القيمة العادلة هو الأسعار المعروضة في سوق نشط يكثر فيه البائعون والمشترون وتتوفر فيه المعلومات لجميع الأطراف وإمكانية الإطلاع عليها بمعنى توفر المعلومات لقيمة الأداة المالية في السوق النشط وأقرب مثال على ذلك هو أسعار الأسهم في الأسواق المالية وبالتالي تتحدد القيمة العادلة التي تمثل السعر في ذلك الوقت بحيث لا يستطيع أي متعامل من الخداع في تحديد قيمة السعر أياً كان البائع أو المشتري حيث تتوفر لكل منهما كافة المعلومات المتعلقة بالأداة المالية أكانت أسهم أو سندات.
في حين تم تعريف القيمة العادلة وفقاً للمعايير المحاسبية الدولية بأنها تتمثل فيالمبلغ الذي يمكن أن تتم مبادلة الأصل به أو تسديد دين بين أطراف مطلعة وراغبة في التعامل وعلى أساس تجاري بحتومن خلال التعريف يتضح لنا أن القيمة العادلة هي عبارة عن قيمة الأدوات المالية (الأسهم أو السندات) التي يمكن بيعها أو شراءها في وقت معين وبمبلغ محدد وأقرب مثال على ذلك هو السوق المالية والمتعلقة ببيع أو شراء الأسهم مثل سوق المال الأمريكي نازداك.
في حين يطلق على القيمة العادلة بعض من التعريفات هي كالتالي :

تكلفة  الإحلال أو الاستبدال:

ويطلق عليها التكلفة الاستبدالية وهي عبارة عن تحديد قيمة أحد بنود الموجودات من خلال تكلفة اقتناء أصل مماثل للأصل الذي بحوزة المنشأة عند إعادة التقييم وتتمثل هذه التكلفة في مقدار النقدية التي يمكن أن تتكبدها المنشأة لو أنها قامت بشراء موجودات مماثلة لما تمتلكه منها في الوقت الحالي من حيث المواصفات والعمر الإنتاجي المتبقي للأصل.
القيمة السوقية :
هي عبارة عن سعر البيع الذي يتمثل في مقدار النقدية التي يمكن أن تحصل عليها المنشأة لو أنها قامت ببيع بعض الموجودات في الوقت الحالي حيث يفترض عدم بيع هذه الموجودات ولكن لمعرفة ما هو قيمة هذا الأصل في الوقت الحالي في السوق.
القيمة الحالية المخصومة :
تقوم هذه الطريقة على تقدير التدفقات النقدية المستقبلية المتوقعة لفترات قادمة باستخدام معدل خصم المناسب ويتمثل دخل المنشأة في الفرق بين القيمة الحالية لصافي الموجودات في نهاية الفترة وقيمتها الحالية في بدايتها ويمكن أن تطبق هذه الطريقة على موردمالي أو التزام مالي مفرد أو مجموعة من الموارد والالتزامات بحيث يتم تقدير التدفقات النقدية الخارجية التي يمكن أن تعزى للبند.إلا أنه قديصعب عمليا تحديد مساهمة كل أصل في توليد التدفقات النقدية بسبب تداخل موجودات المنشأة بحيث يتولد الإيراد عن استغلال الموارد بشكل متكامل وتكمن الصعوبة في اختيار معدل الخصم المناسب كما يصعب تجميع كامل التدفقات النقدية المخصومة من أجل احتساب القيمة الحالية للمنشأة.
مزايا استخدام معيار القيمة العادلة :
جاء استخدام هذا المعيار كبديل أفضل لتلافي أوجه القصور التي يعاني منها مبدأ التكلفة   التاريخية على أمل أن تتسم مخرجات البيانات المالية بكثير من المزايا كالتالي:�
1. 
تعكس القيمة العادلة واقع المنشأة الاقتصادي وتعبر عن مفهوم الشامل للدخل.
2. 
يوفر هذا المعيار مقياساً يتميز بالدقة لمفهوم القيمة والربح الاقتصادي للمنشأة.�
3. 
يراعي هذا المعيار تغيرات القوة الشرائية لوحدة النقد.
4. 
يعتبر استخدام معيار القيمة العادلة أكثر ملائمة لاتخاذ القرارات وإجراء التحليلات المالية وأساساً أفضل للتنبؤات بنتائج الأعمال والتدفقات النقدية
5. 
تزود القيمة العادلة المستثمرين بوعي ونظرة تنبؤية مستقبلية لقيمة المنشأة.
عيوب معيار القيمة العادلة :
 
قد لا يخلو أي معيار من المعايير المحاسبية من العيوب أو قصور في بعض جوانبه ومن هذه المعايير هو معيار القيمة العادلة والذي يعاب عليه ما يلي:
1. 
اعتماد هذا المعيار في بعض جوانبه على عدم دقة القياس المحاسبي بسبب اختلاف الاجتهادات والآراء الشخصية لعملية التقييم وخاصة للأدوات المالية الغير نشطة، حيث يصعب تحديد القيمة السوقية العادلة لكثير من موجودات المنشأة عندما لا تتوافر لها أسواق نشطة.
2. 
زيادة التكاليف لمعرفة القيمة العادلة في بعض الأدوات المالية والتي تتطلب بذل جهود غير عادية وتكبد مصروفات إضافية تتسبب في زيادة التكلفة عن المنفعة.
3. 
يتطلب إعداد وعرض البيانات المالية وفق معيار القيمة العادلة فترة زمنية طويلة مما قد يترتب عليها تأخير وصول المعلومات إلى مستخدمي البيانات المالية.
4. 
قد يسبب استخدام معيار القيمة العادلة مجالاً أكبر لتلاعب في نتائج الأعمال وتغطية بعض الثغرات وفقاً لرغبات ومصالح الإدارة عند إعداد البيانات المالية.
5. 
أن الاعتراف بالمكاسب والخسائر غير المحققة كبنود في قائمة الدخل أو في قائمة التغير في حقوق الملكية دون أن تتم عمليات تبادل فعلية بين المنشأة وأطراف خارجية عنها، قد يفتح باباً للتلاعب في الإيرادات.
معيار القيمة العادلة في قفص الاتهام  :
لم تكن مهنة المحاسبة ومعايرها المهنية بمنأى عن تداعيات الأزمة المالية العالمية، إذ ثار جدل كبير حول دور معيار القيمة العادلة Fair Value في إحداث الأزمة المالية، وفي هذا السياق دعا جورج ماكين المرشح الجمهوري لرئاسة الجمهورية حينئذ وبمشاركة 60 عضوا من أعضاء الكونجرس ألـ SEC إلى وقف العمل فيه ولو بصفة مؤقتة وذلك بحجة أن تطبيق المعيار رقم (FAS, 157) ساهم في تضخيم غير مبرر لقيم العقار ومن ثم في قيم القروض العقارية الممنوحة من بنوك الاستثمار وما ترتب عليه في تضخيم قيم السندات العقارية والتي أدت إلى حدوث أول حلقات الأزمة بانهيار بنك Lemans Brothers. لكن فريقا معارضا وبدعم من (SEC ،FASB، IASB) عارضوا هذه الدعوة وذلك على أساس أن القيمة العادلة لم تكن السبب في حدوث الأزمة المالية ولكنها كشفت عنها مثلها في ذلك مثل الطبيب الذي يكشف عن المرض الذي لا يرضي المريض، وبرروا موقفهم هذا بأن البنوك الاستثمارية والتي كانت بمنأى عن الرقابة أساءت استخدام منهج القيمة العادلة، وبناء لذلك نادى هذا الفريق بتبني منهجاً وسطاً في تطبيق معيار القيمة العادلة يقضي باستخدام أسلوب خصم التدفقات النقدية المتوقفة Discounted cash flow في تقدير القيمة العادلة للأصول غير السائلة وذلك عوضا عن أسلوب Mark-Market .
ولقد صرح عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي وبعض رؤساء مجالس إدارات البنوك وبعض الشركات المساهمة الكبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية بأن أهم أسباب الأزمة المالية العالمية هي تطبيق المعيار المحاسبي الدولي رقم 39 والخاص بالأدوات المالية والصادر من لجنة المعايير المحاسبة الدولية وقد دعوا إلى وقف تطبيق جميع معايير المحاسبة الخاصة بالقيمة العادلة هذا من جانب ومن جانب أخر بدأت مجالس معايير المحاسبة بالوقوف جنباً إلى جنب وخاصة مجلس المعايير الدولية ومجلس المعايير الأمريكية للدفاع عن معايير القيمة العادلة.
حيث قامت كل من مجلس معايير المحاسبة الدولية (IASB) ومجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكية (FASB) بتشكيل لجان مهمتها تحليل الأزمة المالية والتوصل إلى أن المعايير القيمة العادلة ليست هي السبب في حدوث هذه الأزمة المالية، وكذلك تقديم ما يبرر صحة هذا المعيار.
وأهم الخطوات التي قامت بها كلا من مجلس المعايير الدولية ومجلس المعايير المحاسبية المالية الأمريكية ما يلي :

1-
 
في 16/9/2008 واستجابة لتوصيات منتدى الاستقرار المالي FSF قامت لجنة الخبراء الماليين EAP المشكلة من قبل مجلس معايير المحاسبة الدولية وفقا لتوصيات منتدى الاستقرار المالي والمناط بها مهمة تحديد الممارسات الواجب إتباعها في ظل سوق غير نشط بالخروج بتقرير إرشادي عن كيفية استخدام القيمة العادلة في ضل الأسواق غير النشطة.
2-  وبعد إعلان تقرير لجنة الخبراء الماليين قال مجلس معايير المحاسبة الدولية IASB وعلى لسان رئيسه Sir David Tweedie “بأن المحاسبة ليست السبب في حدوث الأزمة الائتمانية، ولكن من المهم جدا بأن يثق المتعاملون في الأسواق بالمعلومات المقدمة من خلال التقارير المالية، ولهذا السبب فقط قام مجلس معايير المحاسبة الدولية بمراقبة أداء معايير الإبلاغ المالي وتحرك بشكل سريع للتعامل مع القضايا التي أبرزتها الأزمة الائتمانية، وقد استطاع تحقيق نجاح متقدم في تحقيق الأهداف المنشودة من خلال نتائج وتوصيات تقرير منتدى الاستقرار المالي “FSF.
3-  في 31/10/2008 اصدر مجلس معايير المحاسبة الدولية دليل استرشادي عن كيفية تطبيق آلية قياس القيمة العادلة عندما يصبح السوق غير نشط، وقد أشار إعلان نشر الدليل بأن هذا الدليل يتماشى جنبا إلى جنب مع التقرير المصدر في نفس الشأن من قبل مجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكية FASB ومما هو ملاحظ بأن الدليل الاسترشادي استند تمام على تقرير لجنة الخبراء الاستشاريين EAP.
4-  في 3/11/2008 أعلن كل من مجلس معايير المحاسبة الدولية IASB ومجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكية FASB بأنهم سوف يجتمعوا في لندن في 14/11/2008 لنقاش قضايا الإبلاغ المالي التي أبرزتها الأزمة المالية العالمية.
5-  في 11/11/2008 قام مجلس معايير المحاسبة الدولية بتوجيه خطاب رسمي لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية George W Bushبصفته مضيفاً وراعياً لمؤتمر قمة العشرين المزمع إقامته في 15/11/2008 وانطلاقاً من علم المجلس أن قضايا معايير المحاسبة، والأزمة الائتمانية والحاكمية المؤسسية مدرجة على أجندت المؤتمر فان المجلس يقدم له هذه الرسالة كي يبلغ رؤساء الدول المجتمعين عن دور مجلس معايير المحاسبة الدولية كجهة مستقلة مناط بها مهمة تطوير معايير عالمية موحدة في تحديد القضايا المحاسبية الناشئة عن أزمة الائتمان، وقد تضمنت الرسالة شرح مفصل عن الخطوات التي تمت لمواجهة الأزمة.
6- في 14/11/2008 أعلن مجلس معايير المحاسبة الدولية IASB ومجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكية FASB عن تشكيل مجموعة استشارية عليا يرئسها كل من Hans Hoogervost (رئيس سلطة هولندا للأسواق المالية)، وHarvey Goldschmid (المفوض السابق للجنة تبادل الأوراق المالية الأمريكية SEC) والتي سوف تشمل كذلك على عدد من الأعضاء من فئات المستثمرين، والمدققين، ومستخدمو القوائم المالية، وقد أنيط بها مهام تحديد القضايا المتعلقة بإعداد التقارير المالية في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، وتم تشكيل المجموعة بهذا الشكل كي تضمن أن قضايا إعداد التقارير المالية في ضل الأزمة العالمية تناقش بشكل منسق وعلى مستوى عالمي عالي جداً، وأشار الإعلان انه سوف يصار إلى الانتهاء من تشكيل المجموعة بشكلها النهائي خلال فترة 4 أو 6 شهور، وان كل من جلس معايير المحاسبة الدولية IASB ومجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكية FASB سوف يلتزمون بتوصياتها التزاما كاملا.
مذكرة رئيس مجلس معايير المحاسبة الدولية Sir David Tweedie أمام لجنة خزانة مجلس العموم HCTC في جلسة التحقيق في الأزمة البنكية
بناء على الدعوة الموجه في 28/10/2008 لرئيس مجلس معايير المحاسبة الدولية من قبل لجنة خزانة مجلس العموم HCTC ومطالبته بتقديم دليل خطي حول دور المحاسبة في الأزمة الائتمانية، فقد قام فعلا Sir David Tweedie  بتقديم تقريره والذي اطلعت عليه اللجنة في جلست الاستماع حول التحقيق في الأزمة البنكية وتحديدا 11/11/2008 ويمكن تلخيص أهم ما جاء في ذالك التقرير بما يلي:
1- 
إن مجلس معايير المحاسبة الدولية جهة مستقلة ملتزمة نحو العموم بتطوير معايير إبلاغ مالية دولية تجعل القوائم المالية تتمتع بمعلومات ذات شفافية عالية جدا.
2- 
إن معايير المحاسبة الدولية مطبقة من قبل أكثر من 100 دولة، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي.
3- 
إن معايير المحاسبة الدولية لها دور لا يستهان في إعادة الثقة بالأسواق وخصوصاً في ظل الأزمات المالية، وأكثر ما يكون لها الحاجة حالياً في ظل هذه الأزمة العالمية.
4- 
إن السبب الحقيقي وراء الأزمة المالية الائتمانية يعود إلى الممارسات السيئة التي اتبعت في عمليات الإقراض، واقتصر دور المحاسبة على عكس حقيقة تلك الممارسات الاقتصادية للبنوك التي كانت تحت الرسملة.
5- 
إن أردنا إعادة الثقة للسوق فيجب أن نواجه الخسائر كاملة، وإلا لن تستطيع البنوك في المستقبل إقراض بعضها البعض ولا حتى إقراض عملائها، ولم يكن لمعايير القيمة العادلة دور إلا أنها أظهرت الخسائر الحقيقية ولم تساهم فيها، ولو كان هناك محاولة لإخفاء الشفافية من خلال عدم استخدام معايير القيمة العادلة لساهم ذلك في تأجيل ظهور الخسائر وليس منعها.
6- 
لقد أظهرت أزمة البنوك الائتمانية الحاجة لمنهجية عالمية في تشريع، ومراقبة الأسواق الرأسمالية.
7- 
سوف يستمر مجلس معايير المحاسبة الدولية IASB في لعب دور تعزيز الثقة في الأسواق المالية من خلال تطبيق مخرجاته الحالية المتطورة، وبشكل يضمن الشفافية المطلقة.
8- 
يجب أن يتم الاستمرار باستخدام معايير القيمة العادلة وبشكل مكثف أكثر من السابق وبغض النظر عن اي أزمات وخصوصاً أن لها دور لا يستهان به في إضفاء الشفافية على معلومات القوائم المالية، وفي حالة عدم تطبيقها سوف يفقد المستثمر الثقة بالقوائم المالية، وتم الاستشهاد بهذه الحقيقة على نتائج الاستفتاء الذي تم من قبل اتحاد المستثمرين العالمين لـ 597 مستثمر، والذي أشار إلى:أ‌- بأن 79% من المستثمرين لا يؤيدون وقف التعامل بمعايير القيمة العادلة.ب‌- بأن 85% من المستثمرين يعتقدون انه في حالة إيقاف استخدام معايير القيمة العادلة سوف يكون له اثر مباشر على تدني الثقة بالنظام البنكي.

9-
 
لقد قام مجلس معايير المحاسبة الدولية وتجاوباً مع الأزمة باتخاذ عدد من الإجراءات المهمة وشكل لجان عليا وتعاون مع مجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكية والتي هدفت إلى تحقيق هدفين رئيسيين:
أ‌- تطوير معايير عالمية مناط بها إخراج قوائم مالية تتمتع بشفافية عالية جداً.ب‌- تزويد الآلية ودلائل الإرشاد المناسبة لتطبيق تلك المعايير.
10- 
لقد قام مجلس معايير المحاسبة الدولية بإدارة عدد من الاجتماعات واللقاء لاستقاء أراء كل من له اهتمام بالقضايا المالية في ظل الأزمة وبناء عليها تم إصدار كل ما هو ضروري، ومن أهم تلك الأمور الدليل الاسترشادي في كيفية تطبيق القيمة العادلة في ظل الأسواق غير النشطة.
11- 
إن فشل نظام المعلومات يكون له غالباً اثر خطير، مما يؤدي إلى تأخير حل أي أزمة، وتم الاستشهاد بالأزمة البنكية في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1980، وكذالك بشكل مشابه ما حدث في أزمة البنوك اليابانية في عام 1990، وان معايير المحاسبة يكون لها دورا رئيسي في حل الأزمات إذا ما تم التقيد بتعليماتها.
12- 
إن توقف عمليات الإقراض حاليا في ظل الأزمة الحالية يعود وبشكل رئيسي لفقدان الثقة بين المؤسسات المالية، والدعوة نحو وقف استخدام معايير القيمة العادلة لن يعيد الثقة للسوق ولن يحدث تغيير على عودة عمليات الإقراض لمسارها الطبيعي.
13- 
إن المشكلة الرئيسية هي اختلال الاستقرار المالي، ويعتقد البعض بأن معايير المحاسبية لا تهدف بشكل أو بآخر لإحداث الاستقرار المالي في الأسواق، ولكن الالتزام بها بشفافية عالية سوف يؤدي بشكل مباشر إلى الاستقرار المالي.
14- 
إن استجابة مجلس معايير المحاسبة الدولية للازمة الحالية يقع ضمن ثلاث مراحل رئيسية:أ‌- تنفيذ مقترحات وتوصيات منتدى الاستقرار المالي المنشأ بالتعاون مع مجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكية
ب‌- تزويد تعديلات على المعايير الحالية ودلائل إرشاد متخصصة في ظل الأزمة
ت‌- إحداث تطويرات وتحسينات طويلة الأمد على المعايير
15- 
وقد أشار التقرير إلى جميع الخطوات التي تمت بالتفصيل حول موضوع الأزمة وبسرد تاريخي مبينا ماهية الإجراءات، وما هي اللجان التي تم تكوينها ومهام كل منها وخصوصا المجموعة الاستشارية العليا المزمع إنشاءها بالتعاون مع مجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكية والتي تتكون من عدد من الجهات العالمية والتي قد يصار إلى الانتهاء من تكوينها في الربع الأول أو الثاني من عام 2009 وان نتائجها ستكون ملزمة لمجلسي المحاسبة الدولي والأمريكي.
الثغرات المالية للقطاع المالي :
يتضح لنا مما سبق أعلاه بأن أهم الثغرات المالية التي برزت في قطاع الأعمال المالي هي الأصول المالية والتي تتكون من الأسهم والسندات بوجه عام والمشتقات المالية بوجه خاص، وخاصة بأن هذه الأدوات المالية يتم قياسها بمعيار القيمة العادلة مما نتج عنه مضاعفة أرباح الشركات في فترات سابقة وسبب في ذلك يعود إلى التقييم العادل للأدوات المالية، في حين انخفضت قيمة الأدوات المالية بسبب الأزمة المالية العالمية التي تم تقييم هذه الأدوات بالقيمة العادلة لها مما سبب في انخفاض أرباح الشركات في القطاع المالي بنسب كبيرة جداً مما أدى إلى إفلاس بعض هذه الشركات وخاصة بعد الانخفاض عن تكلفتها، ولقد قامت هذه الشركات بتقديم دعوى لعدم تطبيق معيار القيمة العادلة كما تم شرحه أعلاه.
كما أن أهم هذه الثغرات هي الديون المتعثرة أو ما أطلق عليها أسم الأصول المسمومة وهي أحد المصطلحات الجديدة التي برزت وظهرت للوجود بسبب الأزمة المالية العالمية والتي كان سببها الأول هي الرهن العقاري والتي أصبحت أصول وهمية تحتفظ بها هذه الشركاتوالمؤسسات المالية في قوائمها المالية مما سبب في زيادة مخصصات القطاع المالي وعلى رأسها البنوك التجارية عموماً والبنوك الاستثمارية والعقارية بوجه خاص
معيار القيمة العادلة من منظور نظرية المحاسبة :
نعلم أن الممارسة المحاسبية سبقت التنظير المحاسبي، في حين أن محاولات التنظير المحاسبي تنقسم إلى مدرستين فكريتين الأولى هي مدرسة تنظير المحاسبة كما هي كائنة فعلا ويطلق عليها المدرسة الوصفية التي تقوم على طريقة الاستقراء من الواقع وتتخذ القواعد المحاسبية في ظلها شكل المبادئ المقبولة قبولا عاما، المدرسة الثانية هي تنظير المحاسبة كما يجب أن تكون ويطلق عليها المدرسة المعيارية في التنظير المحاسبي وتقوم على طريقة الاستنباط المنطقي وتتخذ القواعد المحاسبية في ظلها شكل المعايير المحاسبية التي تلقى اتفاقا عاما ومن هذه المعايير معيار القيمة العادلة والذي يعتبر من نتاج المدرسة المعيارية والمبني على أسس علمية وهذا المعيار واجه في الآونة الأخيرة وخاصة في الأزمة المالية العالمية الكثير من الانتقادات وخاصة في قياس الأدوات المالية مما دعا الكثير إلى توجيه اتهامات كبيرة بشأن هذا المعيار مما أدى إلى تقديم دعوى إلى إلغائه وهذا ما دعا مجلس معايير المحاسبة الدولية للدفاع عن هذا المعيار وتقديم التبريرات المنطقية بأن المحاسبة ليست المتسببة في هذه الأزمة وإنما ساهمت المحاسبة والمتمثلة في معاييرها وخاصة معيار القيمة العادلة بكشف الحقيقة عن تقييم الأدوات المالية لهذه الشركات وعليه فإن دفاع لجنة المعايير المحاسبة الدولية تدعم هذه المدرسة الفكرية أي المدرسة المعيارية بأنها المدرسة التي يجب أن تبنى عليها نظرية المحاسبة.�

الاستنتاجات والتوصيات:
أولا : الاستنتاجات
1. 
نستنتج من تاريخ الأزمات المالية أن معظم هذه الأزمات سببها الرئيسي الاقتصاد المالي أو الاقتصاد النقدي وليس الاقتصاد الحقيقي المعتمد على الإنتاج السلعي، حيث تسببت الأسواق المالية في حدوث هذه الأزمات المالية وترجع أسباب الكساد الكبير إلى التلاعب في الأسعار والمعلومات والإدارة السيئة للبورصة الأمر الذي تسبب في الهبوط الحاد في مستوى الأسعار والذي أنعكس سلباً على المستوى العام للأسعار في كافة قطاعات الاقتصاد الأمريكي والعالمي، وكذلك باقي الأزمات المالية التي عصفت بالاقتصاد العالمي وصولاً إلى الأزمة المالية العالمية عام 2008م.
2. 
أن أكثر السباب في حدوث الأزمات المالية هو سوء استخدام الأدوات المالية في الأسواق المالية وكذلك المضاربات في أسواق المال بأسعار مُبالغ بها وليس لأسباب اقتصادية متعلقة بالشركة.
3. 
أن تزايد التعامل مع الأدوات المالية متمثلة في المشتقات المالية كان له الدور الكبير في الأزمة المالية العالمية وذلك لابتكار أدورات مالية شديدة التعقيد والمخاطرة.
4. 
إن اتهام معايير المحاسبة الدولية والمتعلق بمعيار القيمة العادلة بأنها السبب في حدوث الأزمة المالية العالمية ما هو إلا اتهام باطل لا يوجد أدنى دليل على صحة ذلك، ويعود السبب لسوء الفهم والتحليل الفاشل، وإلقاء اللائمة على مجلس المعايير المحاسبة الدولية دون دراسة مسبقة مؤكده على صحة ذلك.
5. 
أن إلغاء معايير القيمة العادلة أو إيقافها ولو مؤقتا سوف يؤدي إلى فقدان الشفافية والإفصاح وفقد ثقة المستثمر في القوائم المالية مما سيؤدي إلى الابتعاد عن التعامل في الأسواق المالية والذي سوف يؤدي بدوره إلى حالة ركود عالمية أكبر مما هي عليه الآن.
6. 
تشير النتائج بأن مجلس المعايير المحاسبية سيساهم بشكل أو بأخر في حل هذه الأزمة مستقبلاً وخصوصاً أن مجلس المعايير المحاسبية الدولية شكلت لجنه عالمية لدراسة الأمر، وأصدرت دليلا استرشاديا لكيفية تطبيق معايير القيمة العادلة في الأسواق غير النشطة.
ثانياً : التوصيات
1-
 تفعيل دور البنوك المركزية في مراقبة المنتجات المالية للقطاع المالي في جميع تعاملات البنوك التجارية والعقارية والاستثمارية على حداً سواء وعدم السماح بالتعامل مع بعض المنتجات إلا بعد دراسة المنتج دراسة مستفيضة، والتوصل إلى أدوات مالية مقبولة ذات مخاطر منخفضة جداً.
2- 
يجب الإفصاح والشفافية لدى القطاع المالي عن حجم التعثرات المالية التي تكبدتها وخاصةً البنوك والإفصاح عن حجم الأصول المسمومة والموجودة لدى البنوك وأن يتم الإفصاح عن خطة للتخلص منها وتوضيح ذلك للمساهمين حتى يتم أعادة الثقة لهذه البنوك لدى المستثمرين وأن يتم الإفصاح عن ذلك في تقرير مجلس الإدارة.
3- يجب على البنوك المركزية الوقوف مع البنوك المتعثرة، وتقديم مساعدة سريعة لهذه البنوك وخاصة تلك المتورطة بالأدوات المالية عالية المخاطر وكذلك الأصول المسمومة وسد هذه الثغرات المالية في تلك البنوك وذلك للحفاظ على الاقتصاد الوطني من حالة الركود الاقتصادي
4- 
الحد من الاستثمار في المشتقات المالية ووضع قوانين صادرة من البنوك المركزية تحد من العمل في المشتقات المالية ووضع حد للمضاربات في أسواق العقود الآجلة للشراء أو البيع وعدم الاستثمار في السندات الوهمية.
5- 
بحث البنوك عن مصادر للأرباح وذلك في الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي وليس الاقتصاد المالي أو النقدي والابتعاد عن الاستثمار في المشتقات المالية ذات المخاطر العالية.
6- 
يجب الإفصاح عن المشتقات وخاصة أنها تعرض في الفقرات خارج الميزانية فهي لا تظهر ضمن حسابات المصرفية وهذا ما جعلها خارجة عن إطار رقابة السلطات المالية والنقدية، عليه يجب أن يتم أظهرها ضمن ميزانيات البنوك حتى تستطيع الجهات الرقابية والمتمثلة في البنوك المركزية من الرقابة على هذه الأدوات المالية ووضع التشريعات التي تحكم العمل بها.
7- 
يجب استخدام معيار القيمة العادلة في تقييم الأدوات المالية وذلك لصحة هذا المعيار من الناحية المحاسبية وخاصة في الأسواق النشطة والتي يمكن تحديد السعر العادل لهذه الأدوات وخاصة أن هذا المعيار قد ساهم بشكل كبير جداً في زيادة أرباح البنوك في فترات سابقة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

كتاب مباديء المحاسبة المالية 2024

للتحميل