الإفصاح المحاسبي ومتطلباته
وتحسين جودة التقارير المالية
من منظور الحوكمة
مقدمة:
يعد
الإفصاح المحاسبي الهدف الرئيسي من إعداد التقارير المالية، ذلك أن إعداد التقارير
المالية لا يعد هدفاً في حد ذاته بل وسيلة اتصال بين الشركة ومستخدمي تلك التقارير
على اختلاف احتياجاتهم وتعارض مصالحهم لتوفير معلومات تساعدهم في الاختيار بين
البدائل المختلفة المتاحة لديهم وبما يحقق أفضل استخدام ممكن للموارد الاقتصادية
النادرة المتاحة لديهم. وبالتالي يعد الهدف الأساسي من إعداد تلك التقارير هو
إشباع مستخدميها على الرغم من اختلاف متطلباتهم النابعة من اختلاف مصالحهم.
وبالتالي فإنه ينبغي العمل على تحسين جودة التقارير المالية من خلال نظام إفصاح
كفء يعمل على توفير تلك المعلومات بالدقة وفي التوقيت المناسب بما يؤثر على إتاحة
تلك المعلومات لكل الأطراف المستفيدة بما يولد الثقة في استخدام تلك المعلومات
المتاحة.
وبناءًا على ما سبق يستعرض هذا المبحث النقاط التالية:
3/2/1: مفهوم الجودة
3/2/2: أهداف إعداد التقارير المالية
3/2/3: جودة التقارير المالية
3/2/1: مفهوم الجودة Quality
لقد
تباينت وتعددت التعريفات التي أوردها الكتاب. والمهتمين بموضوع الجودة في وضع تعريف محدد لمعنى ومضمون الجودة وأبعادها بسبب
المداخل ووجهات النظر الخاصة بالجودة، لذلك كان من الصعب أن يتم إيجاد تعريفاً
بسيطاً يصفها ويعرفها تعريفاً شاملاً قاطعاً وسيظهر ذلك من خلال التعريفات التالية:
تم
التعريف في بعض المعاجم الأجنبية لكلمة quality وهي تعني
الجودة: أن صفة الشيء يكون جيداً([1])
تعني The Degree of Excellence of a
Thing أي درجة
امتياز أو جودة الشيء([2])
تعني أيضاً High Grade
Superior Excellence أي درجة
عالية من الدقة والتحسين والتميز.
وإذا ما
انتقلنا إلى تعريف جودة التقارير المالية فإننا نجد أنه لا يوجد تعريف نهائي متفق
عليه بين الباحثين حول مفهوم وتعريف جودة التقارير المالية وأساليب تقييمها حيث
يختلف مفهوم الجودة باختلاف وجهات النظر وأهداف منتجي ومستخدمي التقارير([3]).
والمتابع للدراسات التي تناولت جودة التقارير المالية وتحديد مفهوم لها أو كيفية
الاستدلال عليها يجد أن معظمها يدور حول اعتبار جودة التقارير المالية جوهر له
مظهر آخر يعرف ويقاس به حيث يتم التعريف بالإفصاح ومستوياته والتعريف بالشفافية
كمرادفات للتعبير عن جودة التقارير المالية والتعريف بخصائص ومعايير جودة
المعلومات التي تعكس مدى توافر الجودة بالتقارير المالية أي أنها مقياس الاستدلال
على جودة التقارير المالية.
3/2/2 أهداف إعداد التقارير المالية:
يمكن
تحديد أهداف إعداد التقارير المالية في ثلاثة أهداف رئيسية كما حددها مجلس معايير
المحاسبة المالية الأمريكي FASB-2006 وتتمثل في:([4])
1)
توفير المعلومات التي تفيد المستثمرين الحاليين
والمرتقبين والدائنين الحاليين والمرتقبين وغيرهم من مستخدمي المعلومات في ترشيد
القرارات الاستثمارية والائتمانية والقرارات الخاصة بتخصيص الموارد الاقتصادية.
2)
توفير المعلومات الملائمة التي تفيد المستثمرين الحاليين
والمرتقبين والدائنين الحاليين والمرتقبين وغيرهم من مستخدمي المعلومات في تقدير
كمية وتوقيت ودرجة عدم التأكد المرتبطة بالتدفقات النقدية المستقبلية للكيان
القانوني، وتتمثل أهمية تلك المعلومات في تقييم مدى مقدرة الكيان على توليد صافي
تدفقات نقدية موجبة للوفاء بالعائد المستحق لكل من المستثمرين والدائنين.
3)
توفير المعلومات المرتبطة بالموارد الاقتصادية المتاحة
للشركة والالتزامات المتعلقة بها وأية تغيرات تطرأ على هذه الموارد والالتزامات.
كما أنه يوجد بعض
الأهداف الفرعية بالإضافة إلى الأهداف الرئيسية السابقة للتقارير المالية:([5])
أ-
توفير المعلومات التي تفيد في تقييم أداء الكيان خلال
الفترة بالإضافة إلى تقرير قدرتها الكسبية المستقبلية.
ب- توفير المعلومات التي
تفيد في تقرير درجة السيولة والعسر المالي وتدفق الأموال.
ج-
توفير المعلومات التي تفيد في تقييم قدرة الإدارة على
النهوض بمسئولياتها والحكم على كفاءة أدائها.
د-
توفير المعلومات التي ترى الإدارة أهميتها لمستخدمي
التقارير المالية مثل ملاحظات وتفسيرات الإدارة بعض الأحداث أو الظروف التي انعكس
أثرها على الأرقام المحاسبية.
3/2/3 جودة التقارير المالية Financial Reporting Quality
يمكن
تعريف جودة التقارير المالية بأنها "الدقة التي تفصح بها التقارير المالية عن
المعلومات المرتبطة بعمليات الشركة ولاسيما المتعلقة بقدرتها على تقدير التدفقات
النقدية المتوقعة والتي يهتم بها المستثمرين".([6])
وهناك
تعريف آخر بأنها: مدى تقييم القوائم المالية لمعلومات حقيقية وعادلة حول الأداء
الاقتصادي للشركة والوضع المالي لها.([7])
ومن
التعريفات السابقة نجد أن جودة التقارير المالية ترتكز على محورين رئيسيين:
1-
المحور الأول: يتمثل في دقة المعلومات التي تحتويها
التقارير المالية.
2-
المحور الثاني: يتمثل في جودة نظام الإفصاح لإعلان
المعلومات لمستخدميها.
· المحور الأول: دقة
المعلومات التي تحتويها التقارير المالية:
تعد دقة
المعلومات التي تحتويها التقارير المالية من أهم العوامل التي تؤثر في مدى جودة
التقارير المالية، حيث أن التقارير التي تشتمل على معلومات غير دقيقة سوف تؤثر
بالسلب على اتخاذ القرارات الاستثمارية فتصبح تلك القرارات غير رشيدة من قبل
مستخدمي تلك التقارير مما يقلل من ثقتهم فيها وفي الشركة ذاتها والقائمون على
إدارتها بما ينعكس بالسلب على القيمة السوقية لهذه الشركة.
لذا فقد
حدد مجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكية (FASB, 2006)([8])
بعض الخصائص التي ينبغي أن تتوافر في المعلومات المحاسبية التي تحتويها التقارير
والتي ندعم توافر الدقة في تلك المعلومات وهذه الخصائص:
1- صدق التعبير عن النشاط:
وتعنى أن
المعلومات التي تعرض بالتقارير المالية ينبغي أن تكون صادقة وممثلة للنشاط
الاقتصادي للشركة، حيث أن المعلومات الصادقة تؤدي إلى اتخاذ القرارات السليمة.
2- عدم التحيز:
وتعني
الحياد أي عدم وجود أية نية أو قصد لتعديل أو تبديل المعلومات للتأثير على النتائج
التي تحتويها التقارير المالية لمصلحة أي من الأطراف التي تستخدمها.
3- الشمولية:
وتعني أن
تشمل التقارير المالية على كل المعلومات الضرورية التي تمت داخل الشركة مع عدم حذف
أي من هذه المعلومات.
وبهذا
الشكل، تعد المعلومات التي يتوافر بها تلك الخصائص السابقة معلومات دقيقة وبالتالي
لها قدر تنبؤية تمكن من استخدام تلك المعلومات التي تشمل على معلومات تاريخية في
تشكيل آراء مستخدميها حول الأداء المستقبلي للشركة.
وتجد
الإشارة في هذا المقام إلى تعدد الخصائص التي ينبغي أن تتوافر في المعلومات
المحاسبية التي تحتويها التقارير المالية بالإضافة إلى معيار الدقة وهي معيار
الملائمة، والذي يشتمل على خاصية التوقيت والتغذية العكسية والقدرة على التنبؤ
ومعيار القابلية للمقارنة ومعيار تحليل التكلفة/العائد ومعيار القابلية للفهم.([9])
وفي إطار
اهتمام الدقة بدقة المعلومات التي تحتويها التقارير المالية لما لها من أهمية في
تحسين جودة سوق رأس المال لذا فقد وضعت وزارة الاستثمار عقوبات على من يخالف ذلك
حيث أفردت ضمن الباب السادس المتعلق بالعقوبات ضمن القانون رقم 95 لسنة 1992([10])
والخاص بإصدار قانون سوق رأس المال مادة رقم (63) وتنص على أنه "يعاقب بالحبس
لمدة لا تزيد على خمس سنوات وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنية ولا تزيد عن مائة ألف
جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين كل من زور في سجلات الشركة أو أثبت فيها عمداً وقائع
غير صحيحة أو عرض تقارير على الجمعية العمومية للشركة تتضمن بيانات كاذبة.
· المحور الثاني: جودة
الإفصاح المحاسبي لإعلان المعلومات لمستخدميها:
يعد نظام
الإفصاح الجيد المحور الثاني لتحقيق جودة التقارير المالية. ويساعد وجود نظام فعال
للإفصاح المحاسبي على توفير المعلومات لمستخدميها للكمية المناسبة وفي التوقيت المناسب
بما يؤثر في جودة القرارات الاستثمارية المتخذة.
وبالتالي
فإنه يمكن استنتاج أن جودة نظام الإفصاح يرتكز على عاملين رئيسيين هما كمية
المعلومات التي يتم الإفصاح عنها وتوقيت هذا الإفصاح.
3/2/3/2/1 العوامل التي يرتكز عليها جودة الإفصاح:
يمكن
تحديد العوامل التي يرتكز عليها جودة الإفصاح في العاملين التاليين:
العامل الأول: كمية المعلومات التي يتم الإفصاح عنها:
ظهر في
الآونة الأخيرة العديد من الدراسات التي اهتمت بزيادة كمية المعلومات التي يتم
الإفصاح عنها إلى السوق وترى بعض الدراسات أن زيادة كمية المعلومات المفصح عنها
يقودنا إلى ثلاثة أسباب:([11])
1-
تحسين في بيئة المعلومات من خلال الثقة في المعلومات
التي ينتجها وسطاء المعلومات كالمحللين الماليين ويرجع ذلك إلى الزيادة في توافر
المعلومات تؤدي إلى خفض الخطر الناتج عن التقديرات الخاطئة للمحللين.
2-
تحسين درجة سيولة الأسهم بسبب تخفيف درجة تماثل
المعلومات داخل السوق.
3-
خفض تكلفة رأس المال بسبب خفض خطر المعلومات لانخفاض
درجة عدم التأكد المحيطة بتلك المعلومات، ويتم ذلك بتعديل آراء المستثمرين
الحاليين والمرتقبين، فبالنسبة للمستثمرين الحاليين يتم تعديل آرائهم حول ربحية
الشركة خاصة إذا كانت سيئة في الفترة السابقة، وبالنسبة للمستثمرين المرتقبين يتم
تعديل أرائهم حول الاستثمارات الجديدة خاصة إذا كانت تكلفتها مرتفعة على أساس أن
تكلفة رأس المال تمثل مقياس لمقدار الحظر الذي يتحمله المستثمر الجديد، فكلما زادت
درجة عدم التأكد حول معلومات ذلك الاستثمار كلما أدى ذلك إلى طلب المستثمر لعائد
إضافي يوازي مقدار المخاطر التي يتحملها والتي تؤدي عدم التأكد حول الفرص المتاحة
أمام الشركة.
وتجدر الإشارة إلى أن
زيادة المعلومات التي يتم الإفصاح عنها عن الحد الملائم عنها عن الحد اللازم قد
يؤدي إلى نتائج سلبية داخل سوق رأس المال.
لذا يجب الاهتمام بأن
تكون المعلومات المفصح عنها في حدود المستثمرين لاستخداماتهم في تقييم الوضع
المتاح الحالي والمستقبلي للشركة التي تقوم بالإفصاح.
· العامل الثاني : توقيت
الإفصاح:
يعد توقيت
الإفصاح أكثر العوامل المؤثرة في تقييم جودة الإفصاح حيث أن توقيت الإفصاح يعني أن
تصل نفس المعلومات إلى جميع متخذي القرارات في التوقيت المناسب وفي الوقت ذاته حتى
لا تفقد قيمتها.
3/2/3/3 القوانين والقرارات التي تهدف إلى رفع جودة
الإفصاح في البيئة المصرية:([12])
تعرضت القوانين الموجودة بجمهورية مصر العربية إلى ضرورة
رفع جودة الإفصاح والشفافية داخل سوق الأوراق المالية ومن هذه القوانين:
1- أشارت المادة (58) من
اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة 1992 بضرورة تقديم تقارير نصف
سنوية عن نشاط ونتائج أعمال الشركات التي تطرح أوراقها المالية في اكتتاب عام.
2- صدور القانون رقم 123
لسنة 2008 ببعض التعديلات على قانون سوق رأس المال وقد شملت تلك التعديلات إنشاء
سجل خاص بمراقبي الحسابات الذي يجوز لهم مراقبة ومراجعة الشركات العاملة في مجال
الأوراق المالية والشركات المقيد لها أوراق مالية في البورصة وكذلك شركات الاكتتاب
العام كضمان للالتزام تلك الشركات بمقتضيات الإفصاح.
3- قرار وزير الاستثمار
رقم 166 لسنة 2008 باعتماد المعايير المصرية للمراجعة والفحص ومهام التأكد الأخرى
للعمل بها لدى مراجعة القوائم المالية سواء السنوية أو الربع سنوية للشركات
المساهمة الخاضعة لأحكام القانون رقم 159 لسنة 1981.
4- تطوير معايير المحاسبة
المصرية بقرار وزير الاستثمار رقم (243) لسنة 2006 بإصدار معايير المحاسبة المصرية
الجديدة والتي تتوافق مع معايير المحاسبة الدولية.
5- إضافة باب جديد إلى
اللائحة التنفيذية لقانون سوق المال بعنوان "الباب الثاني عشر عروض الشراء
يقصد الاستحواذ بقرار وزير الاستثمار رقم 12 لسنة 2007 ويهدف إلى حظر التلاعب في
أسعار الأسهم واستغلال المعلومات الداخلية بما يحقق المساواة والتكافؤ فيما بين
المستثمرين بالنسبة للمعلومات المتاحة والفرص المناسبة والتوقيت الملائم مع مراعاة
مصالح الشركة محل الإفصاح.
6- تنظيم مركز المديرين
بقرار من وزير الاستثمار رقم 188 لسنة 2007 والذي يتولى تدريب وتنمية قدرات
المديرين وأعضاء مجلس إدارة الشركات المساهمة.
وإزاء ما سبق يرى الباحث أن القوانين واللوائح والمعايير
المصرية تعد كافية وذات تأثير كبير-إذا تم تطبيقها بفاعلية-في دعم جودة الإفصاح
داخل سوق الأوراق المالية بالإضافة إلى تنمية وعي المديرين وأعضاء مجلس الإدارة
بتنظيم مركز المديرين المالي من أثر في تحسين طريقة إعداد وعرض المعلومات المالية
عند إعداد التقارير مما يزيد من جودتها وفاعليتها لمواكبة احتياجات مستخدميها.
وفي ضوء ما سبق فإنه يمكن للباحث أن يستخلص تعريف لجودة
التقارير المالية:
جودة
التقارير المالية هي "ما تتسم به التقارير المالية من شفافية وإفصاح جيد عن
المعلومات التي تعكس حقيقة المراكز المالية والأرباح المحققة والمتوقعة للوحدة
الاقتصادية بما يتفق مع أهداف واحتياجات المستثمرين الحاليين والمرتقبين وغيرهم
مما يسهم في تحقيق الرشد لقراراتهم الاستثمارية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.